وإذا ثبت ذلك قلنا: هذا حق للميت عاوض عليه، فانتقل إلى وارثه، كمدة الإجارة، والحدّ (١)، والفائت بالعيب، وحق الرهن، ولا يلزم الخيار؛ فإنا لا نسلمه ونقول: يورث على هذه الرواية، وإن سلمنا فالخيار شهوة الميت واختياره، ولهذا يفسخ به، وإن كان الحظ في إمضاء العقد، وشهوة الإنسان واختياره لا تنتقل إلى وارثه؛ ولهذا لا تصح المصالحة على الخيار بمال ولو أخذ/ قسطاً من المال لصحت المصالحة عليه بالمال.
فإن قيل: لو أخذ الأجل قسطاً لوجب إذا اشترى شقصاً بمئة إلى سنة، فلم يعلم الشفيع حتى مضت السنة أن لا يأخذ بمئة حالّةٍ.
قلنا: إن علمَ به وقت العقد أخذه بمئة مؤجَّلة، وأما إذا مضت السنة فقد ارتفق الشفيع ببقاء المال في يده طول السنة، فكان ذلك في مقابلة الارتفاق بالأجل، ولأن الشفيع مخير إن شاء أخذ إذا رأى له الحظ، وإن شاء ترك فلا ضرر عليه، فأما الورثة فعليهم ضرر؛ فإنهم إذا تأخرت عنهم المطالبة ارتفقوا بالتركة، واكتسبوا بها، فلم يفت عليهم ذلك، هذا جهة النفع للوارث، وأما الضرر عليه بأن تكون التركة عروضاً متى حل الدَّين احتاج إلى بيعها في غير موسمها، كالجزور في الصيف، والكتان في الشتاء، وما شاكل ذلك، فتفوته الأرباح وهي انتفاع مقصود، ولربما خسر في أصل رأس المال، ومثل هذا يراعى في المواريث، ولذلك جوّزنا للورثة أخذ أعيان التركة وإن كانت بمقدار الدين وقضائه من غيرها؛ ليتوفر نفعها عليهم دون أرباب الديون، ولم تنقل التركة إلى الغرماء.
فإن قيل: فيه ضرر على الميت والورثة، أما الورثة فإنهم لا يمكنون من التصرف في التركة فربما تلفت، والموروث ذمته مرتهنة بدينه قال ـ صلَّى الله عليه ـ:«ما تنفعُه صلاتي، وذمتُه مُرتَهنة بِدَيْنِه»(٢).
(١) إذا قُذف قبل موته ثم مات، فلا يخلو: ١ ـ إن مات ولم يطالب: سقط الحد، نصّ عليه الإمام أحمد، وخّرج أبو الخطاب وجهاً بالإرث والمطالبة. ٢ ـ إن كان طالب به قبل موته: ـ فالصحيح من المذهب ـ أنه لا يسقط، وللورثة طلبه. [ينظر: الإنصاف ١٠/ ٢٢٠، المبدع ٩/ ٩٧]. (٢) أخرجه ابن ماجه، كتاب الصدقات، باب التشديد في الدين ٢/ ٨٠٦، ح ٢٤١٣، والترمذي، باب ما جاء عن النبي ﷺ أنه قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ٣/ ٣٨٩، ح ١٠٧٩، من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الشوكاني: رجال إسناده ثقات إلا عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وهو صدوق يخطئ. [ينظر المستدرك ٢/ ٣٢، نيل الأوطار ٤/ ٣٠].