للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مجرى المال في وجوبها، بخلاف الحج والزكاة فإنها عبادات محضة لله ـ تعالى ـ، فتسامح فيها؛ ولهذا علقها على الاستطاعة بالمال والنصاب النامي، فجاز أن لا تجرى المنافع فيها مجرى حقيقة المال.

طريقة أخرى: أن الإجارة عقد معاوضة محضة، فملكها الحاكم بامتناعه من قضاء دينه؛ كإجارة عبيده وأمهات أولاده، وبيع ماله، وفيه احتراز من تزويج إمائه وخلع نسائه؛ فإنه ليس بمعاوضة محضة، ولأنها منافع يجب العقد عليها لصلة الرحم، ونفقة الأقارب؛ فوجب العقد/ عليها لقضاء الدين وإبراء الذمة، كالأصول المقيس عليها. يوضح هذا أن قضاء الدين يختصه ويمسه، ونفقة الأقارب صلة ومواساة، فإذا وجبت المواساة لأجل المنافع، فإبراء الذمة أولى أن يجب فيها ولأجلها.

فإن قيل: منافع عبيده وأمهات أولاده صفات لأموال، فهي جارية مجرى الأموال، فأما منافع الحرّ فإنها صفات لما ليس بمال ولا هي أموال في أنفسها، ولذلك لا تضمن بالغصب إذا تلفت تحت اليد بحبس الأحرار، فهي كمنافع الأبضاع، يوضح هذا أن بدل الحر في الإتلاف لا يزيد لأجلها فدية الصانع للكتابة والنجارة كدية الساذج (١).

وقيمة العبيد وأمهات الأولاد في ضمان الإتلاف تتزايد، ومنافع الأبضاع لا يجب منها ولا من أعواضها قضاء الديون، بمعنى أن الحرة لا تكلف أن تتزوج لتقضي من مهرها دينها، كذلك منافع يديها، ولا على الزوج مخالعة الزوجة لقضاء دينه، كذلك هذه المنافع الجارية مجراها.

قلنا: قد بينا فيما سبق أن منافع الأحرار جارية مجرى الأموال من الجهات التي ذكرناها، منقطعة عن ذاته؛ إذ لا يعاوض عن ذاته، ولا يجري عليها شيء من الأحكام التي جرت على منافعه، وأما منافع البضع فقد أجبنا عنها، ويأتي الجواب ـ أيضاً ـ في أدلتهم ـ إن شاء الله ـ.


(١) الساذج: معرّب سادة، ومعناها: الخالي الذهن. [ينظر: تاج العروس ٦/ ٣٣، القاموس المحيط ١/ ٢٤٧].

<<  <   >  >>