ويمنحها، وهي معدة للاكتساب في العرف؛ فإن الناس يتعلمون الصنائع ليكتسبوا بها الأموال، ولهذا جعلها موسى وشعيب ـ على نبينا وعليهم السلام ـ عوضاً في النكاح، وأجريت في الشرع مجرى الأموال في تحريم الزكاة عليه، وإسقاط نفقته عن أبيه، وإيجاب النفقة عليه لأقاربه، وإيجاب الجزية عليه، وضمانها في العقد الصحيح بالمسمى، وفي الفاسد بعوض المثل، وإذا ثبت ذلك جاز أن يجريها الشرع في قضاء دينه مجرى أعيان أمواله، ولا يلزم على هذا منافع البضع؛ فإنها لم تعد للاكتساب لا عرفاً ولا شرعاً، ولهذا لا يجبر على تزويج إمائه وأمهات أولاده لقضاء دينه، ويجبر على إجارتهن لذلك.
وهذا لأن الشرع شرَّف الأبضاع وصانها عن البذل والإباحة، وجعلها/ جارية مجرى الأنساب؛ لأنها أصل العالم، والأنساب لا تعدّ للاكتساب، فكذلك الأبضاع.
فإن قيل: لو كانت المنافع جارية مجرى الأموال لوجب فيها الحج والزكاة والكفارة.
قلنا: تلك الأشياء لا تجب في كل مال، وإنما تجب في مال مخصوص بصفة ومقدار والديون تعم جميع الأموال، ولأن تلك الأشياء حقوق لله ﷿ ومبنى حقوقه على المسامحة والمساهلة، بخلاف حقوق الآدميين، فإنها مبنية على الشح والمضايقة؛ لأجل حاجتهم إليها، فإذا أمكن قضاؤها بوجه أعد للمعاوضات وجب ذلك، ولهذا لا نوجب عليه إجارة أمهات أولاده في إيجاب الحج والزكاة والكفارة، ونوجب عليه إجارتهم في قضاء ديونه، فكذلك منافعه التي جرت عادته بالمعاوضة عليها لشهواته ولذاته وزينته أولى أن يؤجرها لقضاء دينه وإبراء ذمته.
فإن قيل: فلِم أوجبتم عليه الجزية وهي حق لله ـ تعالى ـ؟
قلنا: الجزية المغلب فيها حق الآدمي، ولهذا لا يعتبر فيها النية ولا مال مخصوص، وإنما هي عوض عن الدم أو عن السكنى، وكلاهما يغلب فيهما حق الآدمي، ثم الجزية عقوبة فجاز أن يغلظ فيها بإجراء المنافع