والذي يدل عليه: أن التيمم الذي هو بدل عنه عبادة فكان مثله، وهذا لأن الأبدال تحكي الأصول وتماثلها.
فإن قيل: جميع ما ذكرتم لا يُسلّم أن الوضوء عبادة من قِبَل أن أدنى أحوال العبادة أن تكون خدمة في الشاهد يتحقق فيها معنى العبادة في الغائب كما نقول في الصلاة، فإنها تشتمل على أركان صالحة في الشاهد للخدمة، فإن من قام بين يدي الملك كان طائعاً له، وإذا ركع كان معظِّماً، وإذا سجد كان نهاية التواضع، والدعاء والأذكار ثناء ومدح وسؤال وتعظيم وطلب، فقد تحقق فيها معنى العبادة، أما غسل الوجه وهذه الأعضاء فليس فيها ما يقتضي معنى الخدمة في الشاهد فكيف يكون عبادة لله ـ تعالى ـ.
و ـ أيضاً ـ فإن العبادة لابدّ وأن تتصف بصفة الحسن كما تتصف المعصية بصفة القبح، وليس في الوضوء ما يقتضي صفة الحسن بذاته، وتخرَّج عليه الصلاة، فإن هناك تُعقل فيها صفات الحسن، والتقرب إلى الله تعالى، فدل بما ذكرناه من الحقيقة أن الوضوء ليس بعبادة.
قالوا: والحكم ـ أيضاً ـ يدل على ذلك، فإن غسل الذِّمِّية صحيح حتى يستقبح/ زوجها المسلم وطأها، ولو أسلمت جاز لها أن تصلي به، والعبادة لا تصح من الكافر.
على أنا نقول: سلّمنا لكم أنها عبادة ولكنها لا تراد لعينها وذاتها، ولكنها تراد لغيرها فهي تابعة لذلك الغير.
وأما قولكم: إنها ترجع إلى شطرها، غلط؛ لأن الطهارة لا ترجع إلى شطرها في غسل الماء، ولا نسلّم أن الصلاة ترجع إلى شطرها؛ لأن الواجب عندنا في السفر ركعتان فحسب (١).
وقولكم: يفسدها الحدث والنوم؛ ممنوع ـ أيضاً ـ، فإن الصلاة لا يفسدها الحدث ولا النوم، وإنما تفسد الطهارة بذلك، فتفسد الصلاة.