جواب آخر: أن أكثر ما في مسألتنا اشتراط تأخير التسليم مدة، وذلك لا يمنع الصحة كاشتراط تأخير الثمن، واشتراط تأخير المبيع في السلم.
فإن قيل: أما تعلقكم بالأولى وهو ثبوته حكماً في المواضع التي استشهدتم بها، فغير صحيح؛ لأنه قد يستحق حكماً ويستثنى شرعاً ما لا يستثنى شرطاً، بدليل منافع البضع في بيع الأمة المزوجة، والحمل في بيع الأمة التي سبقت الوصية بحملها، وإذا قوي باب الاستثناء حكماً ـ حتى استثنى البضع والحمل ـ لم يعتبر به الشرط في باب الاستثناء.
قلنا: الاستثناء هناك لا بحكم العقد، لكن النكاح والوصية عقدان يملك/ بهما البضع والحمل، فوقع العقد على ما بقي من الأمة مسلوبة المنافع والحمل، وما أشرنا إليه واعتبرنا به هو استثناء حكَمَ به العرف في عقد البيع، ولم يخرجه عقد سابق؛ لأنه لمّا باع الثمرة والدار والغرفة ثبت للمشتري بقاؤها على (١) البائع، وثبت للمشتري الطعام، [و](٢) منفعة الغرفة، وللدار لا يعد سابقاً، فبان أن مسألتَي الإلزامِ ليستا من جنس الأصلين اللذين قِسْنا عنهما واعتبرنا الفرع بهما.
طريقة أخرى في المسألة: إذا باع داراً وشرط سكناها شهراً وما أشبه ذلك، فحقيقته أنه باع العين مستحقة المنفعة في المدة المشروطة، وهذا لا يمنع صحة البيع، كما لو باعه داراً مستأجرة وأمَةً مزوَّجة وهو يعلم بذلك، فإن البيع صحيح، فكذلك في مسألتنا، وأما في الصورة الأخرى: فقد ثبت أنه لو استأجره ليخيط له قميصاً صح، ولو باعه خرمة للقميص صح، فنقول: ثنتان يصح إفراد كل واحد منهما بعقد، فإذا جمعهما في عقد واحد جاز أن يصح، دليله الوراقة والصبغ والظئر (٣) فإن الحبر والنثل (٤)،
(١) بهذا المكان في الأصل كلمة: (لحل)، وحذفها هو الموافق للسياق. (٢) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٣) الظّئْر: العاطِفةُ على ولد غيرها المُرضِعة له من الناسِ والإبل الذَّكر والأنثى في ذلك سواء. [ينظر: المحكم والمحيط الأعظم ١٠/ ٣٤]. (٤) النَّثْلَةُ: الدِّرْعُ عامة، وقيل: هي الواسِعة منها، ونَثَلَ عليه دِرعَهُ يَنْثُلُها صَبَّها. [ينظر: المحكم والمحيط الأعظم ١٠/ ١٥١].