فإن قيل: لو كان كالعيب لاستوى قليله وكثيره في إثبات الخيار كالعيب، ولأنه لو كان كالعيب لكان فعله [محرماً](١) كالتدليس بالعيب محرم.
قلنا: لا فرق بينهما، فإنّا لا نُسلِّم أنَّ يسير العيب يفسخ به، ولهذا الصداع والحمى اليسير وفوات آيات في المصحف وأسطر في الكتاب لا يفسخ به، وعلته أن العادة جازمة بذلك فلم يعد عيباً، كما أن الغبن اليسير جرت العادة به؛ فلم يعد غبناً، بخلاف الكثير فيهما، ألا ترى في حق الوصي والوكيل والأب لو وجد الغبن اليسير لم يبطل البيع، ولو كان الغبن كثيراً أبطل البيع، وأما كونه [محرماً](٢) فكذا نقول، نص عليه أحمد (٣).
طريقة أخرى: أنا نقول: هذا غبن يخرج عن العادة فأثبت الخيار، كغبن الركبان، وقد دل على الأصل خبر أبي هريرة أن النبي ﵇ قال: «لا تلقوا الركبان (٤)، فمن تلقى فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق، إن شاء ردّ، وإن شاء أجاز» (٥).
(١) ما بين المعكوفين مطموس في الأصل، وقد استظهرته من السياق. (٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (محرم)، وما أثبته هو الصحيح لغة. (٣) ينظر: الإنصاف ٤/ ٣٩٨، الفروع ٤/ ٩٦. (٤) تلقِّي الرُّكبان: أهل المصْر كانوا إذا بلغهم ورود الأعراب بالسلع تلقوهم قبل أن يدخلوا المصر، فاشتروا منهم ولا علم للأعراب بسعر المصر، فيغبونهم، ثم أدخلوه المصر فباعوه وأغلوه. [ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة ١/ ٩٩، ١٩٨]. (٥) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب النهي للبائع ألا يحفل الإبل ٣/ ٧١، ح ٢١٥٠، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه ٣/ ١١٥٥، ح ١٥١٥ من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة ﵁: أن رسول الله ﷺ قال: «لا تلقَّوا الرُّكبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يجتلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر»، وأخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب تحريم تلقي الجلب ٣/ ١١٥٧، ح ١٥١٩ من حديث أبي هريرة يقول: إن رسول الله ﷺ قال: «لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار».