أن رجلاً توضأ، ثم جاء فسلم على رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ، فكأن رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ أعرض عنه، وقال له:«تطهَّر» فرجع فتوضأ، ثم اجتهد فجاء فسلم، فأعرض عنه، وقال له:«ارجع فتطهر» فلقي الرجلُ عليّاً فأخبره بذلك، فقال له علي: هل سمّيت الله حين وضعت يدك في وَضوئك. قال: لا والله. قال له: فارجع فسمِّ الله في وضوءك. فرجع فسمّى الله على وضوئه، ورجع إلى النبي ـ صلَّى الله عليه ـ فرد عليه، وأقبل عليه بوجهه ثم قال:«إذا وضع أحدكم طهوره فليسمِّ الله»(١). فدل على أنه أبطل وضوءه/ وصلاته؛ لأنه أخلّ بالتسمية.
فإن قيل: هذا الحديث فيه سوء عهدة؛ لأن النبي ـ صلَّى الله عليه ـ لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة، وقد كان بالشاب حاجة إلى البيان.
قلنا: هذا غلط؛ لأن النبي ﵇ ما أخّرَ البيان، وإنما أثبته له بقوله:«صلِّ فإنك لم تصلِّ» وإنما أخر علّة البيان، ويجوز تأخير علّة البيان، وتُبيَّنُ بعدَ وقتٍ آخر، كما روي عن ادِّخار لحوم الأضاحي، ثم ذكر العلة في زمان آخر، وقال:«إنما نهيتكم لأجل الدافة»(٢)، وغير ذلك، هذا هو المعتمد في المسألة.
فأما القياس فلا مدخل له في تعبّد غير (٣) معقول، إلا أن أصحابنا قد ذكروا طرقاً منها:
أنهم قالوا: الوضوء عبادة ترجع إلى شطرها في حال العذر
(١) أورده ابن تيمية في شرح العمدة ١/ ١٤٥ ونسبه للجوزجاني. وهذا الحديث مع انقطاعه فيه نعيم بن حماد، ومحمد بن أبي حميد وكلاهما ضعيف، وفي رواية الدراوردي كلام. (٢) أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي ٣/ ١٥٦١، ح ١٩٧١ من حديث أم المؤمنين عائشة ﵂. والدَّافَّة والدَّفافة: القوم يُجدبون فيمطرون، دفوا يدفون. وقال: دفت دافة، أي: أتى قوم من أهل البادية قد أقحموا. وقال ابن دريد: هي الجماعة من الناس تقبل من بلد إلى بلد، قال ابن الأثير: يريد أنهم قوم قدموا المدينة عند الأضحى، فنهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي ليفرقوها ويتصدقوا بها، فينتفع أولئك القادمون بها. [ينظر: المحكم والمحيط الأعظم ٩/ ٢٧٧، النهاية في غريب الحديث والأثر ٢/ ١٢٤]. (٣) في هذا المكان في الأصل كلمة: (الوضوء)، ولعل الصواب عدم إثباتها.