[مع ما](١) تقدّم من الشروع على وجه العزيمة، وعندنا ـ وإن كان ذلك جائزاً ـ إلا أن الإتمام أفضل، مع كون الابتداء عزيمة.
قال علي: إنه كان يواصل لما أخبر به، وأنه كان يظلّ عند ربه، يطعمه ويسقيه (٢). يعني يغنيه عنهما، وإن كان في حق غيره [مكروهاً](٣).
وأما حديث سلمة، فلو صحّ لاقتضى وجوب صوم رمضان في السفر، وهذا خلاف القرآن؛ فإنه ـ تعالى ـ قال: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (٤)، ومعناه: فله أن يؤخر إلى أيام أُخر، أو الأفضل أن يؤخر الصوم ويفطر، ثم هو خلاف للإجماع ـ أيضاً ـ؛ فإنه لا خلاف أن المسافر يجوز له الفطر، فدل على أنه ورد في حق الحاضر، ثم نحمله عليه إذا كان سفره قصيراً مسيرة يوم، ولهذا قال:«يأوي به إلى شبع»، يعني عند الإفطار، فدلّ على أنه مسيرة يوم، أو نحمله على أنه يصوم إن شاء، ونحن نقول: إن صام صح صومه.
أما قولهم: بأنه أدى العبادة في وقتها.
قلنا: هذا باطل بتقديم العصر يوم عرفة، وتأخير المغرب بمزدلفة (٥)؛
(١) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ١٠٩، ح ٧٠٠ قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن محمد بن علي، عن علي: أن النبي ﷺ كان يواصل من السحر إلى السحر. وأخرجه بتمامه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام ٢/ ٦٩٣، ح ١٨٦٢ من حديث أبي سعيد ﵁: أنه سمع النبي ﷺ يقول: «لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر»، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله! قال: «إني لست كهيئتكم، إني أبيتُ لي مطعم يطعمني، وساقٍ يسقينِ». (٣) ما بين المعكوفين في الأصل: (مكروه)، وما أثبته هو الصحيح لغة. (٤) البَقَرَة: ١٨٥. (٥) بالضَّم ثم السكون، ودال مفتوحة مهملة، ولام مكسورة، وفاء، اختلف فيها لِمَ سُمِّيتْ بذلك، فقيل: مزدلفة منقولة من الازدلاف، وهو الاجتماع، وقيل غير ذلك، وهو مبيت للحاجّ ومجمع الصلاة إذا صدروا من عرفات، وهو مكان بين بطن محسّر والمأزمين، والمزدلفة: المشعر الحرام ومصلّى الإمام يصلي فيه العشاء والمغرب والصبح. [ينظر: معجم البلدان ٥/ ١٢٠].