كونه يصلي جالساً وقائماً، وتأثيرها في السفر القصر بنى صحة هذا الجمع بين السفر والمرض قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (١)، فجمع بين السفر والمرض، وأباح الإفطار في رمضان بوجودهما، فكان حكمهما سواء.
يدل عليه: أن الغالب من حال المسافر التعب، والنصب، والمشقة، ولهذا قال ﵇:«إن المسافر ومتاعه لعلى قَلَتٍ إلا ما وَقَى الله»(٢) يعني: مَهْلَكَةٍ، هكذا قاله أبو عبيد في «الغريب»(٣).
ويقال: السفر طائفة من العذاب، ولأجل هذه العلّة أبيح له الإفطار والقصر؛ فإنه معلول بالمشقة، وإذا كان الغالب منه المشقة فإذا تحمل وصام ربما أدى إلى الضرر أو إلى التلف، فالله ـ تعالى ـ يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ (٤)، وبهذا الطريق كان الأفضل للمريض الإفطار، وهو خوف الضرر، وتزايد المرض، وهو هاهنا موجود، فكانا سواء في الفضيلة.
يدل عليه: أن الصوم في السفر يحتويه المشقة الفادحة، فيفضي إلى كراهية العبادة، والتضجر بها، والملل لفضلها، فكان عليه فعلها على وجه لا يحصل به ذلك أولى، ولهذا [كرهنا](٥) صلاة المدافع البول والغائط؛ لأن عجلته تزيل خشوع العبادة، وكذلك إذا حضرت الصلاة، وهو محتاج إلى العشاء/ فإنا نقدم حاجته إلى العشاء.
ومن مشايخنا من قال: أجمعنا على أن من كان بعرفة فالأفضل له الفطر (٦)، كذلك هاهنا.
(١) البَقَرَة: ١٨٥. (٢) ينظر: تفسير القرطبي ٥/ ١٥١، قال الألباني: ضعيف جداً. [ينظر: إرواء الغليل ٥/ ٣٨٣، ح ١٥٤٥]. (٣) ينظر: الغريبين في القرآن والحديث ٥/ ١٥٧٥. (٤) النِّساء: ٢٩. (٥) ما بين المعكوفين في الأصل: (كرنا)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٦) ينظر: الإنصاف ٣/ ٣٤٥، الفروع ٣/ ١١٠.