للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الكتاب: فقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ (١)، ودفع الحرج عبارة عن الإباحة، والمباح ما يتخير فيه الإنسان بين فعله وتركه.

وأما السنة: فحديث يعلى بن أمية أنه قال لعمر : ما بالنا نقصر وقد أمِنّا؟ فقال: تعجّبتُ مما تعجّبتَ منه، فسألت النبي ـ صلَّى الله عليه ـ، فقال: «صدقة تصدّق الله بها عليكم؛ فاقبلوا صدقته» (٢)، فسمي القصر صدقةً، والرخصة والصدقة يتقارب معناهما.

وأما المعنى: فظاهر جدّاً، وذلك أن القصر ثابت بنص الكتاب، وطلب المعنى، وأحب ما أمكن، ولا يمكن تعرف معنى في إلحاق النظر سوى التخفيف؛ فإن السفر حال مشقة، والمشقة سبب للتخفيف بقوله ـ تعالى ـ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (٣) والتخفيف بإطلاق القصر، وقد حصل كمال التخفيف بإباحته أو بالندب إليه، فلا معنى للإيجاب والتحتم، وهو مثل إباحة الفطر سواء، ونحرر من هذا قياساً، فنقول: تخفيفٌ نِيطَ (٤) بالسفر/ فلا يكون حتماً، دليله: الفطرُ، يدل عليه من حيث الحكم أنهم قالوا: لو اقتدى المسافر بمقيم يلزمه الإتمام، وإن كان الفرض ركعتين يلزمه الإتمام، وهذا في نهاية الإشكال عليهم؛ لأن الاقتداء لم يوضع لتعيين الفرائض، يدل عليه: أنه لو كان المقتدي مؤتماً بمسافر لا يعود فرضه إلى ركعتين، فكذلك إذا كان الاقتداء من مسافر بمقيم، وجب أن لا يصير فرضه إلى الأربع؛ فإن الزيادة على الفرض المحدود، مثل النقصان منه، فإذا لم يجز أحدهما لم يجز الآخر،


(١) النِّساء: ١٠١.
(٢) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها ١/ ٤٧٨، ح ٦٨٦.
(٣) البَقَرَة: ١٨٥.
(٤) نِيطَ: أي عُلِّق، يقال: نُطْتُ هذا الأمر به أنوطه، وقد نيط به فهو مَنُوطٌ. [ينظر: النهاية ٥/ ١٢٩].

<<  <   >  >>