والظاهر لقلنا: ليس له صلاة صحيحة، لكن قام دليل الإجماع منا ومنكم على أنه له صلاة صحيحة، وبقي ما عداه على ظاهره.
وقد قيل: قوله: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» معناه: لا صلاة لجار المسجد مقتدياً بإمام المسجد إلا في المسجد، فقد قلنا بالخبر [و](١) بيّناه.
على أنه قد رُوي ما يدل على أنه أراد نفي الإجزاء، فروى أبو حفص ابن شاهين (٢) بإسناده عن أنس بن مالك (٣) أن شابّاً دخل المسجد فصلى، والنبي ـ صلَّى الله عليه ـ جالس، فقال له:«يا شاب، ما صليت» حتى أعاد الشاب الصلاة ثلاثاً، والنبي ـ صلَّى الله عليه ـ يقول له:«ما صليت» فذهب الشاب إلى علي بن أبي طالب (٤) فأخبره فقال:
(١) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٢) عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن أيوب بن أزداذ، أبو حفص ابن شاهين، الحافظ الواعظ، محدث بغداد، ولد سنة ٢٩٧ هـ، روي عنه أنه قال: صنّفتُ ثلاث مائة وثلاثين مصنفاً، أحدها التفسير الكبير ألف جزءٍ، والمسند ألف وثلاث مائة جزء، والتاريخ مائة وخمسون جزءً، والزهد مائة جزء. قال الداودي: كان ثقة يشبه الشيوخ إلا أنه كان لحّاناً، وكان لا يعرف في الفقه لا قليلاً ولا كثيراً. توفي في ذي الحجة سنة ٣٨٥ هـ. [ينظر: تاريخ الإسلام ٨/ ٥٨٠، الوافي بالوفيات ٢٢/ ٢٥٨، الأعلام للزركلي ٥/ ٤٠]. (٣) أبو حمزة، أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجاري الخزرجي الأنصاري، صاحب رسول الله ﷺ وخادمه، مولده بالمدينة، وأسلم صغيراً، وخدم النبي ﷺ إلى أن مات، ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة، فمات فيها، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة، توفي سنة ٩٣ هـ. [ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب ١/ ١٠٩، أسد الغابة ١/ ٢٩٤، تاريخ الإسلام ٢/ ١٠٥٧]. (٤) أبو الحسن، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وأول الناس إسلاماً بعد خديجة، ولد بمكة، وربى في حجر النبي ﷺ ولم يفارقه، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، وولي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان، وأقام علي بالكوفة إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة سنة ٤٠ هـ. [ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣/ ١٠٨٩، أسد الغابة ٣/ ٥٨٨].