وعليه فُسِّرَ قوله ﵇:«لو دعيت إلى كُراعٍ لأجبتُ»(١)، ومعناه: لو دُعيت إلى مسافة مرحلةٍ لأجبت.
وكذلك الكديد، روى ابن قتيبة عن جندب الهجيمي، قال: بعث رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ غالب بن عبد الله إلى مَنْ بالكديد، فنزلنا عليهم عُشَيْشِية (٢). قال ابن قتيبة: هو تصغير عشية (٣).
وهذا موافق لخبرِ جابر، وأن الكديد وكراع الغميم [متقاربان](٤)، وبينهما وبين المدينة مسيرة مرحلة، من الفجر إلى العصر، وهي عشيشية، يدل عليه أن الفطر في السفر كانوا يعلمون بإباحته، قبل عام الفتح بسنين؛ لأن نزول البقرة قبل ذلك، فلماذا شكوا إليه مشقة الناس، فانتظروا ما يفعل من الفطر؛ فدلّ على أنّ ذلك كان في يوم خرجوا فيه صياماً، فأشكل عليهم حتى بيَّنَ لهم ﵇ بفعلِه وأمرِه.
ولهذا قال ابن عباس: كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث (٥).
وفي رواية ابن جريج: بالآخر فالآخر من أمر رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ (٦)، وهذا يدل على أن المراد بالإخبار في اليوم الواحد؛ لأنهم دخلوا فيه في الحضر، وكان بذلك يحرم عليهم الخروج حتى بيَّن لهم جواز الخروج، فكان ذلك ناسخاً،/ وإلا فلَمْ يرد بأنه أمرهم بالصوم في السفر ابتداءً قط، حتى كون أمره بالإفطار حدثَ بعد ذلك فإن فريضة الصوم إنما هي بقوله: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (٧)، والمراد به ـ والله أعلم ـ:
(١) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب من أجاب إلى كراع ٧/ ٢٥، ح ٥١٧٨. (٢) عُشَيْشِيَة: تَصْغِير عَشِيَّة على غير قِيَاس. [ينظر: النهاية ٣/ ٢٤٣]. (٣) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الأسير ٣/ ٥٦، ح ٢٦٧٨، وأحمد في المسند، ٢٥/ ١٦٩، ح ١٥٨٤٤، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. [ينظر: المستدرك ٢/ ١٣٥، مجمع الزوائد ٦/ ٢٠٣]. (٤) ما بين المعكوفين في الأصل: (متقاربين)، وما أثبته هو الصحيح لغة. (٥) سبق تخريجه. (٦) ينظر: حجة الوداع لابن حزم، الباب الثاني: تعارض في طيبه ﷺ ص ٢٤٣، ح ٢٣٤. (٧) البَقَرَة: ١٨٥.