وروى أبو سعيد الخدري أن النبي ـ صلَّى الله عليه ـ أمر بالخروج عام الفتح لليلتين من رمضان، فخرجوا صواماً حتى بلغنا الكديد، فأمرنا رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ بالفطر. أخرجه مسلم، وأبو داود، وابن خزيمة (١).
فإن قيل: لا حجة فيما ذكرتم من الأخبار؛ لأن بين المدينة وبين كراع الغميم مسيرة مراحل، وإذا كان كذلك احتمل:
أن يكون ابتدأ الفطر في السفر، عند بلوغه كراع الغميم.
الثاني: أنه ليس فيه أنه خرج صائماً صوم رمضان، ولا فيه أن بلاغه إلى كراع الغميم كان نهاراً ولا صائماً، بل يجوز أن يكون خرج صائماً لا صومَ رمضان، أو صائماً صوم رمضان؛ لأنه بلغ كراع الغميم فابتدأ الفطر من أول يوم لم يصبح فيه/ صائماً، فبين الرخصة في أول ذلك اليوم.
الثالث: يحتمل أنه أفطر لمرض، أو عطش خاف به على نفسه، وهي قضية عيْنٍ، وحكايةُ حالٍ، فإذا احتملت وقفت، فلا يؤخذ منها جوازُ الإفطار في يوم شُرِعَ في صومه عن رمضان، فلا وجه له من الخبر.
قلنا: هذا دعوى مَنْ قال إِنَّ بينهما مراحل، وخبر جابر أنه سار إلى كراع الغميم، فشقّ على الناس، فأفطر بعد العصر، وهذا مقدار ما بينه وبين المدينة؛
(١) أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل ٢/ ٧٨٩، ح ١١٢٠، وأبو داود، كتاب الصوم، باب الصوم في السفر ٢/ ٣١٦، ح ٢٤٠٦ من طريق معاوية بن صالح، عن ربيعة، قال: حدثني قزعة، قال: أتيت أبا سعيد الخدري ﵁، وهو مكثور عليه، فلما تفرق الناس عنه، قلت: إني لا أسألك عما يسألك هؤلاء عنه، سألته: عن الصوم في السفر؟ فقال: سافرنا مع رسول الله ﷺ إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله ﷺ: «إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم»، وأخرجه ابن خزيمة في الصحيح، كتاب الصيام، باب الرخصة في الفطر في رمضان في السفر ٣/ ٢٦٤، ح ٢٠٣٨ من حديث أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ لليلتين خلتا من رمضان، فخرجنا صواماً، حتى بلغنا الكديد أمرنا بالفطر.