ومن شهد الشهر في أهله، وعقّب ذلك بقوله: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (١)، فبان أنّ المراد بالإخبار ما ذكرنا.
وقولهم: ليس فيه أنه خرج صائماً [من](٢) رمضان.
غلط؛ لأن قوله:«خرج صائماً حتى إذا بلغ كُراع الغميم»، يعطي ظاهره امتداد الصوم إلى حين الفطر هنا حكم الغاية أبداً، ألا تراهم يقولون:«خرجت راكباً حتى إذا بلغت الثنية الفلانية تَرَجَّلْتُ»، فلا يُعطي ذلك إلا امتداد الركوب إلى حين ترجل في الغاية التي جعلها غايةً للسير، ولا يجوز إضمار العدد، وأن الإفطار كان لأجل عذر غير السفر؛ لأنه لو كان لأجل عذر يخصه لم يرفع إناءه فيعرفه من لا عذر له، [وإلا](٣) كان ذلك [تلبيساً](٤)، وأنها مراءة (٥) تشريع، لا لسبب غير السفر، وإنما الظاهر أنه رفع إناءه و [فسّر](٦) إظهار الرخصة والسفر ليعمّ بها كل من صحبه وشاركه في ذلك العذر العام، ولأنه لما بلغه أن قوماً صاموا سماهم عصاةً، ولو لم يكن لأجل السفر الذي يعم لما سماهم عصاة؛ لأنه لا يستحب أن يفطر معه لعذر يخصه مَنْ ليس له مثل ذلك العذر.
والفقه في المسألة أنا نقول: السفر عذر لو وُجِد قبل الفجر أباح ترك الصوم، فإذا وُجِد في أثناء النهار أباح ترك الصوم؛ دليله المرض، وهذا صحيح؛ فإن الله ـ تعالى ـ قرَن بين المرض والسفر في جواز الإفطار إلى عدة من أيام أُخر، فدلّ على استوائهما، يدل عليه أن السّفر إنما جُوِّز/ الفطر فيه لأجل المشقة، وهذا المعنى موجود فيه إذا سافر في أثناء النهار، فينبغي أن يبيح لأجل وجود المشقة.
(١) البَقَرَة: ١٨٥. (٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (عن)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٣) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٤) ما بين المعكوفين في الأصل: (تلبيس)، وما أثبته هو الصحيح لغة. (٥) يقال: مرء الطعام مراءة، أي: استمرأته، ويقال: مرأت الأرض مراءة، يعني: حسن هواؤها. [ينظر: تهذيب اللغة ١٥/ ٢٠٦، القاموس المحيط ١/ ٦٦]. (٦) ما بين المعكوفين في الأصل: (سرف)، وما أثبته هو الموافق للسياق.