للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: يلزم عليه آخر شهر رمضان إذا غمّ الهلال، فإنه شك، ويلزم معه الصوم؛ لأن الظاهر عدمه؛ إذ لو كان لشاهده الناس؛ فإن الحرص على رؤيته متوفر؛ إذ لا يتفق الكل على ترك الترائي؛ إذ لا يتفق الكل في العذر، فلو رأى لأخبر به، وقل أن يتفق مثل هذا العارض، فلا يؤدي إلى الإسقاط، والغيم عام الوجود في الشتاء، والفصلين، فيفضي إلى ترك الصوم، والإخلال به إذا تجنب صومه مع الغيم، ولهذا غلَّب أبو حنيفة الصوم في إيجابه بشهادة الواحد في الغيم، ولم يغلِّب الصوم بشهادة الواحد في الصحو (١) لهذه العلة، وأن الغالب/ في الصحو اشتراك العدد الكثير في الرؤية، وفي الغيم قد يلوح الواحد في بقعة من الجو مخصوصة يطلع فيها الهلال بين غيمين، ثم يطبق دونه الغيم.

وأما البعد؛ فإنه يوجد في كل مكان بالإضافة إلى غيره من البلاد، فلو أوجبنا الصوم لأدى إلى تقديم الصوم على الشهر أبداً، وذلك منهي عنه شرعاً، حيث قال: «لا تقدموا الشهر باليوم، واليومين» (٢)، فلا يبقى لنا محل للنهي إذا قدمنا في كل شهر [لتجويز] (٣) طلوع الهلال في إقليم آخر، لم يبق إلا أنا نحمل النهي على الصحو، ونحمل تلك ما ذكرناه على الغيم، وما وصل إلينا خبره من الرؤية بتشاغله، وما لم يصل بقينا فيه على حكم الأصل.

وأما الشهادة المردودة فتلك كلا شهادة، والغيم مغطٍ، ومخيل، وليس يمنع الغيم من كون الهلال وراءه، وكلام الفاسق يرجح عندنا كذبه.

فإن قيل: قد تكرر قولكم: الأحوط للصوم؛ ومعلوم أنه قد استوى في الشرع اعتقاد ما ليس بواجب واجباً، واعتقاد إسقاط ما هو واجب في التكفير إذا كان طريقه قطعيّاً، والتفسيق إذا كان طريقه موجباً للتفسيق، فالتخطئة فيما دون ذلك، فما معنى الأحوط والحال هذه؟


(١) تقدّم توثيقه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ما بين المعكوفين في الأصل: (لتحقير)، وما أثبته هو الموافق للسياق.

<<  <   >  >>