فأين الاحتياط الذي عولتم عليه، لا سيما وإنما تقولون: يلزم من لم يره حكم من رآه وإن بعد الإقليم، واختلفت المطالع، فيجب/ عليكم إيجاب صوم كل يوم يلي ليلة الثلاثين من شعبان لأجل التجويز من غير تخصيص لذلك بالغيم؛ بل ترك الترائي لعائق، وعدم الرؤية لبعد، وتعذر الخبر لئلا يفطروا يوماً من رمضان، وكما جوزتم، أو قدرتم كونه تحت الغيم، جوزوا كونه بالبعد في جو من الأجواء، وهذا قاطع.
يدل عليه أن الشك العارض بالغيم ليس [بأدل](١) من الشك العارض بشهادة من رد الحاكم شهادته، ثم هناك لا يوجب، كذلك الغيم؛ لأن كل واحد منهما يخيل أن الهلال طلع.
يدل عليه: أن المطمور (٢) يستظهر بالتأخير خوفاً أن يقدم، وإن كان التأخير قد يخرجه عن رمضان، فلا وجه لإيجاب التقديم هاهنا، وهما سواء في الحائل، هذا آخر كلامهم.
الجواب عن احتجاجهم:
أما الأحاديث:
قوله:«لا تقدموا الشهر»(٣)، والذي بعده لا حجة فيها؛ لأنها لم تخرج في الصحاح، فلا يترك به ما أخرج فيها، على أنه محمول عليه إذا غمّ الهلال في آخر شعبان، وآخر رمضان؛ فإنا نعد حينئذٍ شعبان ثلاثين، ورمضان ثلاثين.
فإن قيل: لا يصح هذا لوجهين:
أحدهما: أنه قال «فعدوا شعبان ثلاثين، ثم صوموا»(٤)، فيقتضي بأن يكون الصوم يتعقبه عدد شعبان ثلاثين.
(١) ما بين المعكوفين في الأصل كأنها: (بادر)، أو: (نادر)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٢) طمر: تغيب واستخفى، وطمر فلان نفسه، أو شيئاً: خبأه حيث لا يدرى، طمر البئر طمراً: دفنها. [ينظر: تهذيب اللغة ١٣/ ٢٣٢، المحكم والمحيط الأعظم ٩/ ١٦٣]. (٣) تقدم تخريجه. (٤) تقدم تخريجه.