وقيل ـ أيضاً ـ: بأن أكثر ما في هذا إيجاب عبادة من غير أن نتيقن لدخول رمضان، وهذا لا يدل على المنع، بدليل أن شهادة الواحد توجب الصوم، وليس خبره يقيناً، وكذلك خبر الواحد يوجب العمل، وإن لم يوجب العلم، وكذلك شهادة الشاهدين يجوز للحاكم القتل، والقطع، وأخذ المال، وهي غلبة ظن، كذلك الغيم يغلب في الظن أنه ستر الهلال، وكذلك دعوى المدعي بشغل الذمة، ويستحلف لأجلها، ويُعدى عليه، وكذلك اللَّوْث (١) في القَسامة (٢) يثبت القصاص عندنا إذا حلفوا (٣)، وبلا نفاق (٤) الدية، كذلك هاهنا جاز أن يكون مثله.
والوجه الصحيح الذي عليه الاعتماد في المسألة هو أنا نقول: يوم من رمضان، فوجب صومه، كما لو رأى الهلال، وهذه جملة لا نزاع فيها، وأن اليوم من رمضان يجب صومه، إنما الشأن في إثبات كونه من رمضان،/ فنقول: الدليل على أنه من رمضان النص، والحقيقة، والحكم.
أما النص: فقوله ـ صلَّى الله عليه ـ: «فاقدروا له»(٥)، وإذا قدرنا له
(١) اللَّوْث: الطي، واللوث: اللي، واللوث: الشر، واللوث: الجراحات، واللوث: المطالبات بالأحقاد، واللوث: تمريغ اللقمة في الإهالة، قال ابن الأثير: هو أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلاناً قتلني، أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما، أو تهديد منه له، أو نحو ذلك، وهو من التلوث: التلطخ. يقال: لاثه في التراب، ولوثه. [ينظر: تهذيب اللغة ١٥/ ٩٢، النهاية ٤/ ٢٧٥]. (٢) القسامة: الجماعة من الناس يشهدون أو يحلفون على الشيء، وسموا قسامة لأنهم يقسمون على الشيء أنه كان كذا وكذا أو لم يكن، والقسامة: الأيمان تقسم على الأولياء في الدم، وحقيقتها أن يقسم من أولياء الدم خمسون نفراً على استحقاقهم دم صاحبهم، إذا وجدوه قتيلاً بين قوم ولم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودون خمسين يميناً، ولا يكون فيهم صبي، ولا امرأة، ولا مجنون، ولا عبد، أو يقسم بها المتهمون على نفي القتل عنهم، فإن حلف المدعون استحقوا الدية، وإن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية. [ينظر: جمهرة اللغة ٢/ ٨٥٢، الصحاح ٥/ ٢٠١٠، النهاية ٤/ ٦٢]. (٣) ينظر: الإرشاد ص ٤٤٥، الإنصاف ١٠/ ١٣٩. (٤) نفاق: جمع نفقة. [ينظر: المحكم والمحيط الأعظم ٣/ ٦٦]. (٥) تقدم تخريجه.