فإن قيل: إنما لم يقبل الواحد في الصحو لمشاركة غيره في الرؤية، فالظاهر خلاف ما أخبر، وليس كذلك إذا كان بالسماء علة؛ لأنه يجوز أن ينقشع (١) الغيم، فلا يراه الباقون.
قلت: إذا جاز أن يكون الغيم يمنع من رؤية البعض مع صحة النظر؛ جاز أن يكون مانعاً من رؤية الجميع.
فإن قيل: هناك بينة شهدت برؤيته، وليس كذلك هاهنا.
قلنا: هذه البينة عندك كلا بينة، ألا ترى أنها لا تسمع مع عدم العلة؟! فلما سمعه هاهنا علم أن المؤثر في سماعها وجود العلة لا غيره.
وقد قيل/ ـ أيضاً ـ بأن زمان اليوم من رمضان يتردد بين ليلتين لا يجب الإمساك فيهما، كما أن الشهر إذا غام طرفاه يتردد بين شهرين، لا يجب صومهما، ثم أجمعنا والمخالفون على إيجاب إمساك جزئين من الليلتين في طرفي كل يوم منه لئلا يباشر بالأكل زمان الصوم، كذلك وجب أن يحتاط عند إغمام طرفي الشهر يصوم اليومين اللذين بينهما رمضان، لئلا يباشر بالإفطار زمان الصيام، ولا يمكن الاحتياط هاهنا إلا بيوم كامل، كما لا يمكن الاحتياط هناك إلا بإمساك جزء.
وليس لهم أن يقولوا: الأصل بقاء شعبان ما لم يكمل العدد، أو يطلع الهلال إلا ويقال: الأصل بقاء الليل، ثم مع الأصل الذي هو الليل (٢) أوجبنا إمساك جزء منه بمثله يحصل الاحتياط للصوم، فلا فرق بينهما.
(١) انقشع السحاب، والغيم، وأقشع، وتقشع، وقشعته الريح قشعاً: انكشف، وانقشع القوم من المكان: تفرقوا عنه، وانقشع عنه الشيء وتقشع: غشيه، ثم انجلى عنه، كالظلام عن الصبح، والهم عن القلب، والسحاب عن الجو. [ينظر: جمهرة اللغة ٢/ ٨٧٠، المحكم والمحيط الأعظم ١/ ١٤٥]. (٢) في هذا المكان من الأصل تكرار لقول المصنّف: (ثم الأصل الذي هو الليل).