فكان صومه واجباً، دليله: اليوم الثاني، وقد نص الشافعي في «كتاب المزني»(١): إذا نوى صيام يوم الشك، ثم بان من رمضان أجزأه (٢). فلولا أنه منه لم تصح النية؛ لأنه يحصل داخلاً في الصيام بالشك.
فإن قالوا: قد تأوَّل أصحابنا هذا على من ظهرت له أمارةٌ، وهو إن كان عالماً بمطالع الهلال، ودلت على أنه قد طلع أو شهد عنده فاسق برؤيته.
قلنا: هذه الأمارة لا توجب طلوعه، وإنما يحتمل/ الطلوع معها، ومثله في ليلة الثلاثين إذا كان هناك غيمٌ.
وقد قيل ـ أيضاً ـ بأن الرؤية سببٌ يوجب الصوم، فاختلف بأول الشهر وآخره، كالشهادة؛ يثبت أوله بشهادةٍ واحدةٍ، وآخره بشهادةٍ اثنين، كذلك في الرؤية يعتبر وجودها في آخر الشهر، ولا يعتبر في أوله، فلا معنى لقولهم: إن الشهادة موجودة في أوله وآخره، والرؤية معدومة في أوله، وذلك أن شهادة الواحد شطر للشهادة، وليست بشهادةٍ، ألا تراها في آخر الشهر لا تقبل.
وقيل ـ أيضاً ـ: طريقة أخرى مع أبي حنيفة، وهو: أن الغيم سبب في إيجاب الصيام مع غيره، فجاز أن يكون سبباً بانفراده، دليله الشاهد الواحد، لمَّا كان سبباً في إيجاب الصيام مع شاهدٍ آخر كان سبباً في إيجابه بانفراده، كذلك الغيم لمَّا كان سبباً في إيجاب الصيام على قولنا في مسألة الخلاف، وعند أبي حنيفة: إذا شهد برؤيته في يوم الغيم شاهدٌ يقبل، وفي الصحو لا يقبل إلا أن يشهد به عدد كثير (٣)، جاز أن يكون سبباً في الإيجاب بانفراده.
(١) كتاب: (مختصر المزني)، ورد أنه كان إذا فرغ من مسألة وأودعها مختصره صلى ركعتين، وقال الذهبي: امتلأت البلاد به، وشرحه عدة من الكبار، بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من مختصر المزني. [ينظر: سير أعلام النبلاء ١٢/ ٤٩٣]. (٢) ينظر: مختصر المزني ١/ ٥٦. (٣) ينظر: مختصر الطحاوي ص ٥٥، بدائع الصنائع ٢/ ٨٠.