فيصليها وتجزئه، فلما أوجبتم ما قد علمنا براءة ذمته منه، وهو فعل أربع صلوات أخر دل على أن فعَل ذلك احتياطاً.
فإن قيل: هذا الدليل يمكن أن يقلب الاحتجاج به عليكم في الحكم المختلف فيه، وهو أن الصلاة لا يدخل فيها إلا بعد اليقين، أو غلبة الظن بدخول وقتها، فليكن الصوم كذلك، ولا يجب الإحرام بها مع/ الشك، وأما إذا ترك الصلاة فلا يمكنه أداؤها بيقينٍ إلا بأن يصلي خمساً، لكن بعد [تيقن](١) إيجابها، وهاهنا لم يتحصل يقين بوجوب الصوم، ولا غالب ظنٍ، وإنما هو مجرد شكّ، ولذلك إن قاسوا على من شك هل كملت ركعاته أم لا، وجب عليه الزيادة ليحصل اليقين، لكن بعد حصول الوجوب للصلاة يقيناً، ولا يقين هاهنا، وليس لنا عبادة يدخل فيها بالشك، وهذا ذكره بعض أصحابنا (٢).
قلنا: الصلاة لا يستوعب فعلها وقتَها، والصوم له وقتٌ يعمه، متى فات شيء منه فات بعضه، فلذلك وجب الاستظهار بصوم اليوم المشكوك فيه ليحصل، تحقيقاً لاستيعاب صوم الشهر الواجب صومه بأصل الشرع، وحرر من ذلك قياساً، فقال: زمان يجب الإمساك فيه عن الأكل، والشرب، والجماع، لأجل حرمة رمضان، فوجب الاحتياط في طرفيه على وجهٍ يتحقق استيعابه بالصوم، كزمان النوم.
فإن قيل: يلزم على هذا نذر صوم رجب، أو شعبان، فإنه إذا غام أوله لم يلزم، كذلك شهر رمضان، والوجوب يجمعهما.
قلنا: كذلك قال أصحابنا (٣)، وهل تبنى النذور إلا على أصولها من الفروض.
وقد ذكر أشياء منها: أنه يوم يصح أن ينوي له صوم الفرض من الليل،
(١) ما بين المعكوفين في الأصل: (يقين)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٢) ينظر: المبدع ٣/ ٢٠. (٣) ينظر: الإنصاف ٣/ ٢٧٢.