فإن قيل: فيجب على هذا أن يجوزوا كونه كافراً؛ لأن الكافر من جملة من يجوز له أخذ الأجر على الأعمال.
قلنا: في الكافر روايتان (١):
أحدهما: أنه يجوز أن يكون عاملاً، وذكره الخِرَقي (٢) ـ أيضاً ـ بناء على هذه الطريقة التي ذكرناها، ولأن القصد حصول عمله،/ ولا فرق بين عمل الكافر والمسلم، وليس بإرفاقٍ ولا مواساة بمال الزكاة، لكن هو استرقاقٌ بعمله في الزكاة، وهو عوض عن الاستخدام والابتذال، وغاية ما يشبه من القرب أبنية المساجد، والقناطر، وكتب الحديث، وعمل أسلحة الجهاد، وآلات الحج كالمحامل، وحصون المرابطين لدار الحرب.
فإن قيل: الكافر غير مأمونٍ على المسلمين، وهذه العمالة من أركان الدين وعماده، وقد خونهم الله ـ تعالى ـ، ونهى عن أن يُتخذوا بطانة، وبيَّن العلة، فقال: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ (٣)، وقال عمر بن الخطاب: لا تأتمنوهم وقد خونهم الله ـ تعالى ـ، ولا تقرِّبوهم وقد بعدهم الله (٤). ولأنه لا أمانة للكافر، ولأن من شرط العامل أن يكون فقيهاً، والكافر غير عالمٍ بذلك.
قلنا: ليس في ذلك أكثر من حمل المال ونقله، وهذا لا يمنع منه الكفر، كسائر الأعمال والمصالح، كبناء القناطر، والمساجد، وسد البثوق (٥)، والوكالة، والشركة.
(١) ينظر: الهداية ١/ ٧٩، الإنصاف ٣/ ٢٢٣. (٢) ينظر: متن الخرقي ص ٤٤. (٣) آل عِمرَان: ١١٨. (٤) أخرجه البخاري، كتاب آداب القاضي، باب لا ينبغي للقاضي ولا للوالي أن يتخذ كاتباً ذمياً ولا يضع الذمي في موضع يتفضل فيه مسلماً ١٠/ ٢١٦، ح ٢٠٤٠٩ من طريق أبي موسى، عن عمر. (٥) البَثْق، والبِثْق: الموضع الذي حفره الماء، وقيل: منبعث الماء، وجمعه: البثوق. [ينظر: تهذيب اللغة ٩/ ٨٢، المحكم والمحيط الأعظم ٦/ ٣٥٩].