للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلم يوجب الامتناع عنها عقوبة في البدن، ولذلك كان في صدر الإسلام العقوبة بأخذها، وشطر ماله، ثم نسخ، فإن كانت عندكم العقوبة بالمال غير منسوخة، فكونوا على ذلك، ولا معنى لعقوبة البدن.

قلنا: ليس هذا وجهاً صحيحاً؛ لأن الحبس عند أبي حنيفة عقوبة على البدن، ووجبت على هذا إلى أن يؤدى المال (١)، والكفارات بُدئ فيها بالمال عن إفساد عبادات بدنية، ككفارات الإفطار بالوطء في رمضان، وكفارات الإحرام، وإفساد الأموال أوجب التعازير على الأبدان، فإذا ثبت هذا بطل تأصيلك أن العقوبة من جنس المعصية، أو في محلها، ولو كان ما ذهب إليه صحيحاً لكان لا يعاقب مفسد الحج والصوم إلا بأفعالٍ شاقِّة على بدنه دون الأموال، وكان لا يعاقب من أفسد مالاً إلا بغرامة مالٍ مضاعفة دون تغريم على البدن.

طريقة أخرى: نقول: العبادات المأمور بها في الشرع على ضربين؛ أحدهما: متعلقٌ بالبدن، والآخر: متعلق بالمال، ثم ثبت أن ما تعلق بالبدن منه ما يجب قتله بتركه، وليس إلا الزكاة.

فإن قالوا: نقول بموجبه، وهو الجزية.

قلنا: الجزية ليست من العبادات.

احتجوا:

بقول النبي ـ صلَّى الله عليه ـ: «أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله،/ فإذا قالوها عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلا بحقها» (٢)، فدلَّ على أنها كلمةٌ عاصمة في حق مَنْ منع الزكاة أو أدَّاها.

وبما روي عن النبي ـ صلَّى الله عليه ـ أنه قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفرٌ بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس» (٣)، ولم توجد واحدة من هذه الأشياء.


(١) ينظر: البحر الرائق ٢/ ٢١١، مختصر الطحاوي ص ٢٥.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه أبو داود، كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم ٤/ ١٧٠، ح ٤٥٠٢، والترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ٤/ ٤٦٠، ح ٢١٥٨، والنسائي، كتاب تحريم الدم، باب ذكر ما يحل به دم المسلم ٧/ ٩١، ح ٤٠١٩ من حديث عثمان، وقال الترمذي: حديث حسن.

<<  <   >  >>