فإن قيل: اعتبار العبادات بالشهادتين فاسد، بدليل أن تلك يكفر بتركها، ولا تدخلها النيابة، وتلك أصلٌ، وهذه فروعها، وتلك لا يمكن تحصيلها إلا منه، وهذه يمكن تحصيلها من غيره، فلا وجه لقتله لأجلها.
قلنا: الاعتبار صحيحٌ؛ لأن كل واحدٍ من هذه أحد الأركان المبني عليها الإسلام، فالكلمة واحدة من الخمس، حاكية عما في القلب من العقد، وشاهدة بما فيه من التصديق، فلا فرق بينهما عندنا؛ لأن فعل كل واحدةٍ على صفتها دالةٌ على الإيمان، فتركها دالٌّ على الكفر، وليس بإيمان في نفسه شيء من ذلك، أعني الكلمة التي لا تصدر عن تصديق، والأفعال التي لا تصدر عن استجابةٍ وتصديقٍ، والكلمة وهذه الأفعال فروع بالإضافة إلى الاعتقاد، فلا تصح دعوى أن الكلمة أصلٌ، وتلك في النيابة أدخل؛ حيث يستتبع الولد ولده بإزاء ما ينوب النائب هاهنا، والكلمة إذا أكره عليها الحربي والمرتد أجزأت، والارتداد عن الإسلام تشرد عن الاستجابة، كما أن الامتناع من الزكاة تمنع من الاستجابة، وهذا نلجئه إلى الإخراج، أو نأخذها، وهناك نحثه عليها لتتحصل منه.
وكونها لا تتأتى من غيره لا يمنع مساواة هذه؛ لأن وجودها منه على سبيل الإكراه بالحبس والضرب، كإخراج هذه وأخذها بالإكراه والضرب، فإن بقي نوعٌ من أنواع التأكيد لم يمنع من تساويهما في القتل، كالصلاة مع كلمة التوحيد، تفارقا في التأكيد والضعف، وتساويا في إيجاب القتل؛ ولأن الصلاة لا يكفر بتركها عندهم، ويقتل بتركها، أعني: أصحاب الشافعي (١)،/ والزنا من المحصن، والقتل من المحاربة يقتل به، ولا يكفر بفعله (٢).
ولأن الصيام لا يمكن تحصيله ولا يناب عنه فيه، ولا يقتل بتركه.
فإن قيل: فالقتل عقوبة على البدن، فجاز أن يجب لأجل الإخلال بالشهادتين والصلاة؛ [إذ](٣) كانا من أعمال الأبدان، والزكاة مالية،
(١) ينظر: الأم ١/ ٢٥٥، روضة الطالبين ٢/ ١٤١. (٢) ينظر: المجموع ٢٠/ ١١٦، إعانة الطالبين ٤/ ١٣٣. (٣) ما بين المعكوفين في الأصل: (إذا)، وما أثبته هو الموافق للسياق.