للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفقه فيه: أن الزكاة حقٌّ من حقوق المال، أو حقٌّ في المال، فلم يقتل بتركه كالكفارات والنذور، وحقوق الآدميين من [الديون] (١)، والغرامات.

قالوا: ولأنه لا معنى لقتله إذا أمكن أخذ الزكاة من ماله، والمقصود حصول غرض المواساة، وقد حصل، وفي الصلاة لو أمكن تحصيلها لم يقتل تاركها، ولا جائز أن يقال: إن حصل غرض المواساة فقد امتنع معنى العبادة، كما في الصلاة، وجهة العبادة مقصودة؛ لأنا نقول: الأمر كذلك، ولكن جهة المواساة أصل أصيل، وليس في الصلاة جهة أخرى غير جهة العبادة، فليس إذا شرع القتال فيما تمحض عبادة ما دل على أنه يشرع فيما لم يتمحض.

قالوا: ولأن القتل أعلى العقوبات، ولا سبيل إلى تعليقه بكل جريمةٍ، وقد ثبت بالدليل أن تارك الصلاة يقتل، وما عدا الصلاة دون الصلاة؛ فإن الصلاة هي الشعار الأعظم المتكرر في اليوم والليلة مراراً، والعبادات كلها دونها، فليس إذا شرع القتل في الأعلى يجب أن يشرع في الذي دونه؛ بل يرجع في الذي دونه إلى أصل الحقن.

الجواب:

أن أخبارنا فيها زيادة تقضي على هذا الذي ذكروه، على أننا نقول بهذا في حق الكفار من أهل الحرب، ينتهي قتالهم إلى الأمان بالكلمة، ونكف عن قتالهم/ باعتماد التزام أحكام الكلمة، على أن قوله: «إلا بحقها» يعطي أن من حقوقها ما يزيل العصمة، وهو عندنا من حقوقها، بدليل ما ذكرنا؛ ولهذا قال أبو حنيفة بأنه عبادة حتى قال: إنها لا تجب على الصبي، والمجنون (٢)، وألحقها بعبادات الأبدان، ولأنه باطلٌ بالجزية في حق أهل الذمة.


(١) ما بين المعكوفين في الأصل: (الديو)، وما أثبته هو الموافق للسياق.
(٢) ينظر: العناية ٢/ ١٥٦، الجوهرة النيرة ١/ ١١٤.

<<  <   >  >>