فوجه الدلالة: أن النبي ـ صلَّى الله عليه ـ أخبر أن حقن الدم يحصل بثلاث: بالشهادتين، وبفعل الصلاة، وأداء الزكاة، فدلَّ ذلك على أنه مباحٌ بعد ذلك، وأنه لا عصمة مع عدم شيء منها.
فإن قيل: إنما يقتضي الإباحة بفعل الجميع، كما/ كان الحقن، والعصمة بالجميع، ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *﴾ (١)؛ عاد إلى فعل الجميع، ولم يعد التخليد في العذاب إلى كل واحدٍ من الخلال التي ذكرها.
قلنا: الذي يقتضيه ظاهر اللفظ عود العذاب والتخليد إلى الجميع، وكل واحدٍ منه، لكن قام دليلٌ على أن التخليد لا يكون إلا في مقابلة الكفر متمسكاً بما هو عليه، لا يعزم على العود عنه، وكل مسلمٍ ارتكب كبيرة؛ فإنما يموت مسوفاً بالتوبة، نادماً على ما فرَّط، عازماً على استدراك الغلط، ودلائل نفي تخليد الفساق كثيرٌ من السنة، فذلك الذي خصَّ هذه الآية، ولا صارف لظاهر أخبارنا، فكانت على ظاهرها.
وروى الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري في كتاب «[ذيل](٢) المذيل» (٣) بإسناده عن فاطمة بنت خَشَّافٍ السّلمية (٤)، عن عبد الرحمن بن الربيع (٥) ـ وكانت له صحبة ـ قال: بعث رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ إلى رجلٍ من أشجع تؤخذ صدقته، فجاءه الرسول فردَّه، ثم رجع إلى النبي ﵇، فأخبره،
(١) الفُرقان: ٦٨. (٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (دليل)، وما أثبته هو الصحيح نقلاً من تاريخ الإسلام ٧/ ١٦٣. (٣) كتاب: (ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين)، لابن جرير الطبري، ذكر فيه تاريخ الرجال من الصّحابة والتابعين إلى شيوخه. [ينظر: تاريخ الإسلام ٧/ ١٦٣]. (٤) لم أقف على من ترجمها. (٥) عبد الرحمن بن الربيع، الأنصاري، الظفري، ذكره البغوي، والطبري، وابن شاهين، وغيرهم في الصحابة. [ينظر: أسد الغابة ٣/ ٣٤١، الإصابة ٤/ ٢٥٧].