وكذلك سفر المعصية مع السفر المباح سفرين، وتستباح بأحدهما الرخص دون الآخر (١).
وأمَّا قولهم: إن ما قبل الحول حالة لو تلف فيها بعض النصاب لم تجب الزكاة، كذلك إذا أتلفها، كأول الحول.
قلنا: ظاهر كلام إمامنا لا يقتضي تخصيصاً لآخر الحول، ولا ما يقاربه (٢)، ولو روي في ذلك لكان خارجاً على أن الغالب أنه لا يكون بذبح شاة في أول الحول فارّاً؛ لأنه لو أرد الفرار من الزكاة لانتفع بالمال أكثر الحول، وتحيل عند أواخره، فأما في أوله فلا يجوز اعتبار الإتلاف بالتلف؛ لأن بعد حؤول الحول وقبل/ إمكان الأداء لو تلف لم يضمن، وبمثله لو أتلفها ضمن.
وكان المعنى فيه أن التلف لا يقصد به الإسقاط، ولا يتهم فيه؛ لأنه فعلُ غيره، فهو كموت الموروث، والذبح، والهبة فعل نفسه عند مقاربة وجوب الزكاة، وذلك فعل يظهر منه القصد إلى الفرار منها، وذلك يؤدي إلى إسقاطها، ولذلك جعل تصرف الإنسان في مرض الموت بالطلاق والمحاباة، بخلاف تصرفه في حال الصحة، سيما عن أبي حنيفة في منع إقراره للوارث (٣)، والإبانة لزوجته حال المرض (٤)، وذلك لكون المرض حالة القرب من الموت الذي هو ناقلٌ لماله إلى ورثته.
وأمَّا قولهم: لو كان الفرار [مسقطاً](٥) لكان مشتري العقار الكثير لا يسقط عنه.
قلنا: قال بعض الأصحاب: يحتمل أن نقول فيمن صرفت الأثمان إلى صياغتها حليّاً ـ ولا فرق بين إتلاف بعض النصاب وبين صرفه إلى مالٍ ـ: لا تجب فيه الزكاة؛ لأن الجميع صالح للإسقاط.
(١) ينظر: الاصطلام ١/ ٣١٣، روضة الطالبين ١/ ٣٨٨. (٢) ينظر: الإنصاف ٣/ ٣٢، الفروع ٢/ ٣٤٢. (٣) ينظر: المبسوط ١٨/ ٣١، الجوهرة النيرة ١/ ٢٥٦. (٤) ينظر: العناية ٤/ ١٤٥، الجوهرة النيرة ٢/ ٤٨. (٥) ما بين المعكوفين في الأصل: (مسقط)، والصحيح لغة ما أثبته.