والشافعي قال: لا يمنع من العروض دون بقيتها (١)، فنحمله عليه إذا لم يحل الحول، ولم يقصد الفرار من الزكاة بدليل ما ذكرناه.
ومن أصحابنا من أجاب عن الخبر بأنْ قال: إنَّا قائلون بالحديث، وأنه لا زكاة فيه، لكنه مارٌّ إلى (٢) إيجاب/ الزكاة (٣)، فالخبر أفاد نفي الإيجاب، وأخبارنا أفادت المنع من التحيل لنفي الإيجاب، والتصدي لإزالة سبب الإيجاب، وقد دللنا على تحريمه، وبيَّنا طريق فساده.
وأمَّا قولهم: إن هذا مالٌ لم يحل عليه الحول، فباطلٌ بالزروع، والمستخرج من المعدن والرِّكاز (٤)؛ فإنه لم يحل عليه الحول، وتجب الزكاة، وننكر على أبي حنيفة، والشافعي بنقصان النصاب في أثناء الحول؛ فإنه حولٌ لم يجر على نصابٍ كاملٍ، وتجب فيه الزكاة.
والمعنى في الأصل أنه غير متعدٍّ بذلك السبب، وليس كذلك هاهنا؛ فإنه سبب متعدى به.
الثاني: أن في ذلك الموضع ليس بذريعةٍ إلى إسقاط الزكاة، وليس كذلك في مسألتنا؛ فإنه ذريعة إلى إسقاط الزكاة، والذرائع معتبرة في الأصول، بدليل ما بينَّا.
جواب آخر: لا يمتنع أن يكون نقصان النصاب [بحيلة](٥) نقصاناً، ونقصانه بغير حيلةٍ نقصاناً، ولا يمنع من الإيجاب، ونقصانه في طرفي الحول نقصاناً ويمنع من الإيجاب، وكذلك عند الشافعي نقصان نصاب العروض لا يمنع، ونقصان نصاب الدراهم والدنانير يمنع (٦)، وإن كانا مالين،
(١) ينظر: حلية العلماء ٣/ ١٠١، المجموع ٦/ ١٩، ٥٤، روضة الطالبين ٢/ ٢٥٧، ٢٦٧. (٢) (مارٌّ) اسم فاعلِ مرَّ يمرّ مروراً فهو مارٌّ، والمعنى: أن هذا القائل بالحديث لم يَثنِه ذلك ولم يصرفُه عن القول بإيجاب الزكاة، فهو ماضٍ في إيجاب الزكاة مع القول بالحديث. (٣) ينظر: كشاف القناع ٢/ ١٨٢. (٤) الرِّكاز: المال المدفون في الجاهلية، كأنه ركز في الأرض ركزاً. [ينظر: الصحاح ٥/ ٨٨٠، مقاييس اللغة ٢/ ٤٣٣]. (٥) ما بين المعكوفين في الأصل: (يحتلبه)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٦) ينظر: حلية العلماء ٣/ ١٠١، المجموع ٦/ ١٩، ٥٤، روضة الطالبين ٢/ ٢٥٧، ٢٦٧.