يدل عليه أن الزكاة إنْ كانت عبادةً فلا يجوز في العبادة إلا ما ورد به التعبد، بدليل الصلاة وأفعالها؛ فإنه لا يقوم الركوع فيه مقام السجود، ولا السجود مقام الركوع، وكذلك لا يقوم السجود على الخدِّ والذقن مقام السجود على الجبهة، وكذلك في سائر العبادات، ووجه التقريب بين مسألتنا وهذا الأصل: أن الله ـ تعالى ـ إذا جعل العبادة على جارحة بفعلٍ يوجد فيها [لم](١) تقم جارحة أخرى مقامها، كذلك إذا وضع العبادة في مالٍ سماه بفعلٍ يوجد فيه، لم يقم الفعل في مالٍ آخر مقامه،/ يدل عليه أن أصل العبادة لا تجب بالتعليل، ولا تقبل، وكذلك كيفيتها.
وإن قلنا: إن الزكاة حق الفقراء؛ فالحق الواجب للآدمي في عينٍ لا يقوم غيرها مقامها إلا بسببٍ شرعيٍّ من معاقلة (٢) ومعاوضة وغير ذلك، يدل عليه أن سبب وجوب الحق إذا اتصل بمحلٍ يتعلق الوجوب بصورته ومعناه، مثل ما لو أسلم في شيءٍ، أو اشترى شيئاً، وكذلك إذا أوصى لإنسانٍ بشاةٍ، أو أوصى بشاةٍ من أربعين من الغنم؛ فإنه تعين حقهم بغير ذلك، كذلك هاهنا.
وتحرير الأصحاب أنه عدل عن الجنس المنصوص عليه إلى غيره في الزكاة، فلم يجزئه، كما لو عدل إلى جنس البقر عن الإبل، والغنم، أو عدل إلى البعير عن أربعين من الغنم (٣).
فإن قيل: المعنى في الأصل أنه عدل إلى غير الجنس المخرج عنه، وهاهنا أخرج من الجنس المخرج عنه، فوجب القول بالإجزاء.
قلنا: النص ورد بالإخراج من غير الجنس، فيجب أن ينظر إلى المنصوص، ولا ينظر إلى غيره، ألا ترى أنه لو أعتق العبد، أو تصدق به
(١) ما بين المعكوفين في الأصل: (فلم)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٢) المعاقلة مفاعلة، وهي تدل على المشاركة في الغالب، وهي أن يفعل الواحد بالآخر مثل ما يفعله الآخر به، وهي هنا الدية، والمراد: تحمل الناس بعضهم عن بعض الدية. [ينظر: الصحاح ٦/ ٤٦، المطلع ص ٢٧٠]. (٣) ينظر: رؤوس المسائل الخلافيّة بين جمهور الفقهاء ٢/ ٤١٥.