للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: هذا التقسيم مخيّل غير مسنون، وقد بقي القسم الذي نقول به أغفلتموه، وهو أنه بني عليها اعتقاداً وفعلاً، يوضحه أن الإيمان عندنا قول وعمل (١)، ولا يثبت الإيمان إلا لمن جمع الأمرين، وإذا حملتوه عليهما ـ وهو الظاهر ـ احتجتم في حمله على أحدهما ـ وهو الاعتقاد ـ إلى دلالة.

والسؤال الصحيح الذي لا يلزمهم فيه دلالة أن يقولوا: يحتمل أن يكون البناء على الاعتقاد، ويحتمل البناء على الفعل، فلا يحمل على أحدهما إلا بدليلٍ، فيُردّ ـ أيضاً ـ هذا بما رددنا به التقسيم الأول، فنقول نحن: لا نقول بالفعل، فنحتاج إلى دلالةٍ على صرفه إلى ما ذكرت من أحد محتمليه، بل هو مبني عليهما، هذا كما لو قال : بني أمر الصلاة على خمسة أركان؛ التكبير، والقراءة، والركوع، والسجود، والتشهد؛ فإن ذلك لا يمنعنا من الأخذ بعموم ذلك في النية، والأفعال، ولا نقول: إن بناءها على النية والاعتقاد، سيما والمنطق به الأفعال، وما ذكرتم من حقوق الآدميين، وأما باقي الواجبات الشرعية فلا يلزم؛ لأن حقوق الآدميين خارجة عما نحن فيه من حقوق الله إجماعاً، فإنا لو علمنا أن على زيد حقّاً لعمرو، فطالبه به، فجحد وقال: لا حق له عليَّ، لم يكفر، ولو قال في جواب اقتضائنا له بالصلاة، أو الزكاة: ليست واجبة عليَّ، ولا حقّاً، كفر.

فإن قالوا: لا فرق بينهما في الاعتقاد؛ لأنه متى اعتقد أن ليس الدِّين واجباً/ كفر، كما إذا اعتقد أن ليست الصلاة واجبة كفر، أو الزكاة.

قلنا: قد بان الفرق بالمسألة التي ذكرناها، وهي إذا جحد لفظاً مع علمنا بأنه يقرّ باطناً بقلبه، أو عدم علمنا، وهاهنا لو جحد بلفظه ولا نعلم حال باطنه كفرناه.

وأما قولكم: إذا اعتقد نفي وجوب الدَين كفر؛ فذاك اعتقاد يعود إلى الشرع، وحقوق الله، فلا تجعلوه من هذا القسم الذي وقع الفرق بينه وبين حق الله، والذي يكشف عن هذا الفرق أن دَين الآدمي إذا جحده، وقال:


(١) ينظر: السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ١/ ٣٠٧.

<<  <   >  >>