للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلوبهم مشتغلة بالتضحية، والطبخ، وغير ذلك، فإن أمرناهم بالعود ففي ذلك من المشقة والضجر ما يزيد على فعل المسافر وهو في البلد قد حط رحله، وأقام يومه، ويزيد على المشي في الوحل وتغسيل رجله، وإن مُنعوا/ من الانصراف إلى بيوتهم حتى يصلوا الجمعة كان ما يلحقهم من المشقة والضجر أوفر وأعظم.

ومعلوم أن الرسول قال: «إذا حضرت الصلاة والعَشاء فابدؤوا بالعَشاء» (١)، فأباح لهم ترك الجماعة لأجل العَشاء ووقتها قصير، فكيف يقعد الناس من بكرة يوم العيد وإلى العصر، أو قريب منه لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينظرون بيوتهم، وصبيانهم، وعيالهم، وفي ذلك أعظم الحرج، وقد قال ـ تعالى ـ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (٢)، فكان الأحسن من لطائف الشرع ومسامحته أن يبيح لهم الانصراف إلى منازلهم، والاشتغال بمصالحهم، وأن يصلوا الظهر في محالّهم تخفيفاً، لتتم لهم أفراح عيدهم، والأعياد للفرح، والرفاهة، وكل منصف إذا رجع إلى عقله، وترك العصبية والهوى علم أن ما ذهبنا إليه أليق بمحاسن الشرع ولطفه مما ذهب إليه خصومنا.

ولا يلزم على ما ذكرنا أن يقال: فقد نرى من الناس من يسهل عليه العود إلى الجمعة وقد قال الرسول : «وإنا مجمعون إن شاء الله» (٣)، لأنا لا نمنع من أراد الجهاد في الله بصيام النهار، وقيام الليل، والحج ماشياً، والجهاد [متبرعاً] (٤)، وصدقة ماله من الطاعة، وإنا نقول له: الله ـ تعالى ـ ما أوجب [عليك] (٥) [ذلك، فإن تطوعت به آجرك الله ـ سبحانه ـ،


(١) أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه ٧/ ٨٣، ح ٥٤٦٥، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ١/ ٣٩٢، ح ٥٥٨ من حديث عن عائشة، عن النبي قال: «إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء، فابدءوا بالعشاء».
(٢) الحَجّ: ٧٨.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) ما بين المعكوفين في الأصل: (متفرعاً)، وما أثبته هو الموافق للسياق نقلاً من الانتصار ٢/ ٥٩٩.
(٥) ما بين المعكوفين في الأصل: (عليه)، وما أثبته هو الموافق للسياق.

<<  <   >  >>