للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا يؤدي إلى الحرج الذي ذكره، بخلاف الحيض، والنفاس؛ فإنه يدوم الأيام الكثيرة، فيجتمع القضاء والأداء، فيشق، بخلاف مسألتنا؛ فإنه لا يدوم، فصار بمثابة النوم سواء، يوضح هذا أن النوم لا يدوم، لكن يتكرر، والتكرر نوع دوام يشق معه القضاء، وقد أوجب القضاء، وما منع الإيجاب، والإغماء لا يدوم إذا وجد، ولا يتكرر في العادة، فهو أحق بأن لا يسقط الصلاة، بل تجب معه الإعادة، وهذا جواب قولهم: إن النوم لا يدوم.

وقولهم: إن النائم في حكم اليقظان بدليل أنه ينتبه بالإيقاظ، بخلاف المغمى عليه فإنه/ لا ينتبه بالإيقاظ.

قلنا: دعواك أن الإغماء لا يزول بالإيقاظ ليس كذلك، بل بشمّةٍ من نفط، أو خلِّ خمرٍ، أو ما شاكل ذلك من ذات الروائح الحادة إذا قربت من متنشقه ثاب عقله، ولربما عطس فزال ما غام من جوّ عقله، وصحى لأمره، والنائم يستيقظ بالوكزة (١)، أو الزعقة، فيختلفان في كيفية الإيقاظ، لا في أصل الإيقاظ، وخرج على هذا المجنون الذي لا يزول جنونه، ولا يثوب إليه عقله بعلاج، ولا معنى سوى فعل الله ابتداء بغير سبب، وهذا لأن الجنون يعدم العقل، فآلة القدرة في حقه ليست موجودة، أما هاهنا فالإغماء لا يزيل العقل، وإنما يغطيه، فآلة القدرة في حقه موجودة، فاختلفا، ولأن الإغماء إنما يعرض لتكاثف خلط، أو استفراغ دم، ولذلك جاز على الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ إذ لم يكن عارضاً، وإذا عرض لا يدوم؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعرض عليهم ما يزيل عقولهم، ولهذا لا يسقط الصوم، والحج، ولو لم يترجح إلى جانب النوم، بل تردد بين الجنون والنوم لما ذكرت أنت من تشبيهه بالجنون، وذكرنا نحن من تشبيهه بالنوم، لكان تردده غير صالح لإسقاط الفرض الواجب بأصل الشرع بالدليل القاطع، وصار كالمتردد بين الحيض والاستحاضة من الدم.


(١) وكزه: ضربه ودفعه، ويقال: وكزه ـ أيضاً ـ: ضربه بجُمْع يده على ذقنه. [ينظر: الصحاح ٣/ ٩٠١، المحكم والمحيط الأعظم ٧/ ١٢٧].

<<  <   >  >>