وهذا لأن صلاته في نفسه شيء يخصه، وصلاته بغيره استتباع يتعدى إلى غيره، فهو كالماء إذا أخبر بنجاسته، وتيمم مع وجوده حكمنا بصحته في حقه، ولا يصح بنا التيمم لبقاء الماء في حقنا ـ مع خبره ـ على أصل طهارته، وخرج على هذا العدل؛ فإنه تصح شهادته، فصحت إمامته، والفاسق لا تصح شهادته، فلا تصح إمامته كالكافر.
وأما الجمعة؛ فلا نسلم أنه تصح إمامته في الجمعة، ومن صلاها خلفه يعيد، وقد نص أحمد على ذلك في رواية جماعة من أصحابه منهم المروذي، ويعقوب بن بختان، وأبو طالب (١)، ونُقل عنه أن إمامته تصح ولا يعيد (٢)، وهذه الرواية توافق الرواية في أصل المسألة، وأن إمامة الفاسق صحيحة، ونص على المنع.
ومن أصحابنا من أخذ بظاهر هذه الرواية، واعتذر فقال: الجمعة مما يتولاها/ الأمراء، وتكون إقامتها إليهم غالباً، فلا يمكن انتقاء الأئمة فيها، وإن تركها اُتّهِم بأحد أمرين؛ إما بأنه لا يرى الجمعة، أو الطعن على الأئمة والأمراء، وذلك مخاطرة بالنفس، ومؤد إلى الهَرْج والفتنة، فلذلك أمسكنا؛ لأننا لا نُجوِّز ذلك، فإن الناصب (٣) للإمام الفاسق في الجمعة لو سألنا عن إمامته لأفتينا بالنهي عنها، لكن أمسكنا وصلينا خلفه؛ لما بينّا من المصلحة وخوف المفسدة، ـ وإمامنا أحمد ﵁ لا يرى الخروج على الأئمة، ولا منابذتهم، بل لا يرى إلا مناصحتهم (٤) ـ. قال: ولأن الجمعة لا مندوحة (٥) عنها؛ فإن القعود عنها يؤدي إلى إسقاط عَلَمٍ ظاهر من أعلام الإسلام،
(١) ينظر: التعليق الكبير ص ٦٩١، ٦٩٢، الانتصار ٢/ ٤٧٥. (٢) ينظر: الروايتين والوجهين ١/ ١٧٢، مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رواية المروزي ٢/ ٨٦١. (٣) نصبتُ لفلانٍ نصْباً، إذا عاديته، ونصب له الحربَ نصْباً: وضعها، وناصَبَه الشّرَّ: أظْهره. [ينظر: الصحاح ١/ ٢٢٥، المحكم والمحيط الأعظم ٨/ ٣٤٤]. (٤) ينظر: أصول السنة للإمام أحمد ص ٤٦. (٥) النُدْحُ بالضم: الأرض الواسعة، والجمع: أنداح، والمَنادِح: المفاوز، والمُنْتَدَح: المكان الواسع، ولي عن هذا الأمر مَنْدوحة ومَنْتَدَح، أي: سعة. [ينظر: الصحاح ١/ ٤٠٩].