فهذه دعوى، بل كانوا يفعلون ذلك في بعض الأوقات للعذر من مطر وغيره، وقد كان النبي ـ صلَّى الله عليه ـ يأمر مناديه أن ينادي عند المطر إذا ابتلت النعال [بالصلاة](١) في الرحال، وكيف يظن بهم أنهم يتخلفون عن الجماعة مع رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ، ويخلون بفضيلتها من غير عذر، هذا لا يليق بقدرهم، فأما الرجلين الذين صلّيا في الرِّحال فلعلّهُما صلّيا في جماعة، وهذا هو الظاهر من حال الصحابة على ما مرّ.
وأما قولهم: صلاة ليس من شرطها الاستيطان.
قلنا: إذا لم يكن من شرطها ذلك لا تجب لها الجماعة، والمعنى في النوافل أنها أنقص رتبة من الفريضة والمستحب إخفاؤها (٢)، فالفريضة عالية الشأن، وأقوى أركان الإسلام فكانت بالجمعة أشبه.
وأما الصلاة المنذورة؛ فلا نسلمها/ ونقول: تجب لها الجماعة؛ لأن النذور محمولة على أصولها في الشرع؛ لأن النذور فروع الأوامر، وإن سلمنا فلأن من شرط الجماعة موافقة نية المأموم لنية الإمام، ولا يتفق ذلك في النذر.
على أن بعض أصحابنا المتأخرين قد جعل النذر حجة لنا، وجعل منه طريقة تصلح أن يستدل بها ابتداء في المسألة، فقال: أجمعنا على أنه لو نذر أن يصلي صلاة في جماعة فإنه يجب بالإجماع.
وأما الفائتة؛ فلا نُسلِّم، ونقول: تجب فيها الجماعة على احتمال ذكره شيخنا ﵀(٣)، وإن سلّمنا فالفائتة يتعذر فيها الجماعة؛
(١) ما بين المعكوفين في الأصل: (فالصلاة)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٢) في هذا المكان من الأصل تكرار لقوله: (والمعنى في النوافل أنها أنقص رتبة من الفريضة والمستحب إخفاؤها). (٣) لم أقف عليه، وشيخه هو: يعقوب بن إبراهيم العكبري البرزبيني، وله كتاب فقهيّ اسمه: (التعليق) أو (التعليقة)، وفيما أعلم أنه غير مطبوع، وهو كتاب مُلخّص من كتاب القاضي أبي يعلى الشهير: (التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة).