فلما لم ينقل عنه هاهنا إلا المداومة على الجماعات دلّ على وجوبها، فدخل تحت قوله:«خذوا عني مناسككم»(١)، «صلوا كما رأيتموني أصلي»(٢).
فأما قولهم: إن المراد به الجمعة، فلا يصح؛ لأن الأخبار وردت في الصلوات على الإطلاق، وفي بعضها عشاء الآخرة فلا وجه لما ذكروه.
وأما الخبر الذي ذكروه، فلا يصح؛ لأنه تفرد به عن الرُّحَيْل بن معاوية (٣): زياد (٤).
الثاني: أنه لا يظن بالنبي ﵇ أنه يترك الجمعة لا يصليها، ويصلي بالناس غيره لأجل ما ذكروه، ولو قدر صحته فنقول: هذا الحديث وارد في الجمعة، وأخبارنا في بقية الصلوات، فنقول بها جميعاً ونكون أسعد، وهم لا يمكنهم العمل بها.
ويدل على ما ذكرنا: إجماع الصحابة.
روى أبو بكر عبد العزيز بإسناده عن الحسن، عن علي ـ كرّم الله وجهه ـ (٥) أنه قال: من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه
(١) أخرجه مسلم، كتاب الحج ٢/ ٩٤٣، ح ١٢٩٧ من طريق أبي الزبير، أنه سمع جابراً، يقول: رأيت النبي ﷺ يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه». (٢) تقدم تخريجه. (٣) رُحَيْل بن معاوية بن حُديج الجعفي أخو أبي خيثمة زهير بن معاوية صدوق. [ينظر: تقريب التهذيب ص ٢٠٨]. (٤) زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري البَكَّائي، أبو محمد الكوفي، صاحب رواية السيرة النبوية عن ابن إسحاق، وهو أتقن من روى عنه السيرة، صدوق، ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، ولم يثبت أن وكيعاً كذبه، مات سنة ١٨٣ هـ. [ينظر: تاريخ الإسلام ٤/ ٨٥٣، تقريب التهذيب ص ٢٢٠]. (٥) ذكر المصنّف ﵀ عبارة: (كرّم الله وجهه) في موضعين؛ الأول: عند ذكر علي ﵁، والثاني: عند ذكر أبي بكر ﵁. وإطلاق هذه العبارة على الصحابة ﵃ لا بأس به، لكن المحذور تخصيص بعض الصحابة بذلك حتى يكون شعاراً له، كما تفعل بعض الطوائف مع أمير المؤمنين عليّ ﵁. [ينظر: معجم المناهي اللفظيّة للشيخ بكر أبو زيد ص ٢١٣، ٢٧١].