مع الأهل جائزة بلا خلاف، فهذا التغليظ إن لم يحمل على ما قلناه لم يظهر له معنى على موجب قولكم، بدليل ما روي عن النبي ﵇ أنه قال:«أثقل الصلاة على المنافقين الفجر والعشاء»(١).
قلنا: بل هو منصرف إلى كل مؤمن؛ لأنه خاطبهم كلهم فقال:«من سمع النداء فلم يجب فلا/ صلاة له»(٢)، وبدليل قوله ﵇:«هلاك أمتي في اللبن» قيل: يا رسول الله ما اللبن، قال:«يحبون اللبن ويدعون الجماعات والجمع»(٣)، روى هذا الحديث أبو بكر من أصحابنا بإسناده (٤)، عن عقبة بن عامر، عن النبي ـ صلَّى الله عليه ـ، وأمته أهل الإيمان، وقال لابن أم مكتوم:«لا أجد لك رخصة»(٥)، وكان من خيار المسلمين.
ويعضد ذلك أن النبي ـ صلَّى الله عليه ـ لم ينقل عنه ولا صلاة واحدة أنه صلى إلا في جماعة، حتى إنه ـ صلَّى الله عليه ـ خرج في حال مرضه التي توفي فيه ورجلاه تخطان الأرض (٦)، وهذا يدل على أنها في حال الرفاهية والدَّعة أولى، ولو كانت الجماعة ليست واجبة لقد كان يخلّ بها، ويصلي فرادى ولو مرة واحدة، حتى كان يبيّن الجواز؛ كما فعل في الوضوء وغيره،
(١) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل العشاء في الجماعة ١/ ١٣٢، ح ٦٥٧، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ١/ ٤٥١، ح ٦٥١/ ٢٥٢ من حديث أبي هريرة. (٢) تقدم تخريجه. (٣) أخرجه أحمد ٢٨/ ٦٣٢، ح ١٧٤١٥، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٢/ ٥٠٧، وأبو يعلى ٣/ ٢٨٥، ح ١٧٤٦، والطبراني في الكبير ١٧/ ٢٩٥، ح ٨١٥) عن عقبة بن عامر الجهني، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «هلاك أمتي في الكتاب واللبن». قالوا: يا رسول الله، ما الكتاب واللبن؟ قال: «يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون». قال ابن رجب: في إسناده ابن لهيعة. وقال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام. [ينظر: فتح الباري لابن رجب ١/ ١١٧، مجمع الزوائد ٢/ ١٩٤]. (٤) ذكر ذلك أبو الخطاب في الانتصار ٢/ ٤٨١. (٥) تقدم تخريجه. (٦) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة ١/ ٥٠، ح ١٩٨، ومسلم، كتاب الصلاة ١/ ٣١٢، ح ٤١٨/ ٩٢ من حديث عائشة.