ثم أصل البول تولده عن رطوبات بالمعدة النجسة، فلا أصل له في الطهارة كالكلب سواء، فإن أردتم أن أصل الرطوبات الماء، فأصل الكلب التراب وهو طاهر فلا فرق.
ثم يلزم بول الكلب فإن قلتم: إنه يجب غسله سبعاً. فقد قلتم بالتنبيه فإن الرسول نص على الوُلوغ فنبّه على البول، وإن قلتم: لا يجب غسله سبعاً. فقد خالفتم/ الأصول والمعقول؛ فإن بول كل حيوان في العالم أغلظ من ريقه.
فإن قيل: إنما نص على الوُلوغ تغليظاً؛ فإن نجاسة وُلوغه كانت مألوفة عندهم، فغلظ كما غلظ في كسر الدِّنان (١)، وتخريق الزِّقاق (٢) في الخمر.
قلنا: وجرّ أذيالهم على النجاسات، وترك تنزههم من البول كان مألوفاً، فلحق به التغليظ ـ أيضاً ـ، على أنه لو كان ذلك هو العلة لوجب أن لا يجب غسل الوُلوغ سبعاً، كما لا يجب شق الزقاق وكسر الدنان عندكم، فإنه قد زال الإلف، على [أن](٣) بوله غير مألوف فَلِم يوجبون عليه سبعاً؟ ثم لو كان هذا هو [العلة](٤) لكان ينبغي أن يوجبوا غسل ما يصيبه الخمر سبعاً؛ لأن العلة التي عللوا بها موجودة وأكثر.
فإن قيل: فالخبر حجتنا؛ لأنه لما خص الوُلوغ بالسبع دلّ على أن بقية النجاسات بخلافه.
قلنا: دليل الخطاب عندكم لا يوجد من العدد، ثم نصه على السبع في الوُلوغ لينبِّه على بقية النجاسات، ودليل الخطاب لا حكم له مع التنبيه.
(١) الدَّنُّ: وعَاء ضخم للخمر وَنَحْوهَا. [ينظر: المعجم الوسيط ١/ ٢٩٩]. (٢) الزِّقُّ: السِقاءُ، وهو: كل وعاء اتخذ لشراب ونحوه. وقيل: لا يُسمَّى زِقّاً حتى يسلخ من قبل عنقه. وقيل: الزِّق: الوعاء الذي تنقل فيه الخمر، والجمع: أَزْقَاق، وأزُقّ، والكثير: زِقاق، وزُقَّان. [ينظر: الصحاح ٤/ ١٤٩١، المحكم والمحيط الأعظم ٦/ ١٠٨]. (٣) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم المعنى. (٤) ما بين المعكوفين في الأصل: (علة)، وما أثبته هو الموافق للسياق.