دليله الصوم، والصلاة، والحج، وما شاكل ذلك، وقد أقمنا الدلالة على كونها عبادة في مسألة التسمية بما فيه كفاية، وهذا لأن الإحباط إخراج العمل عن أن يكون قربة، والطهارة عبادة عندنا، وعند الشافعي، تحتاج إلى نية (١)، ولا عبادة مع الكفر.
والتحقيق في ذلك: أن الطهارة حكمها باقٍ بعد الفراغ منها، والردة اعتقاد يخرج الشخص عن أن يكون من أهل القربة، فتخرج الطهارة عن كونها عبادة، ومحال بقاء العبادة بعد خروج المتعبد عن كونه أهلاً للعبادة والقربة، لا سيما في حق من يعتبر النية، فإذا نوى بالوضوء الثور، أو الصنم لم يجز أن يقع موقع التعبد، ولهذا متى طرأت الردة على عبادة قبل تمامها أبطلتها، كذلك إذا طرأت على الطهارة مع بقاء حكمها القابل للإبطال بسائر مبطلاتها.
ولأن/ الطهارة المغلَّب في التعبد فيها حكمها المستدام بعد الفراغ منها، لا نفس الغسل، يوضح هذا أَنْ تكون لِما بعد الغسل وهو استباحة الصلاة، أو رفع الحدث، و [جمعهما](٢) أمران مختلفان عن فعلها، بخلاف الصلاة وسائر العبادات؛ فإن نيّتها نيّة لفعلها، وإذا انقضى الفعل فلا حكم يبقى، ولهذا [لا](٣) يظهر حكم التعبد فيها بعد الفراغ منها، وكما نقول للصائم: لا تأكل ولا تشرب ـ حال صومه ـ، وللمصلي: لا تتكلم، لا تعمل عملاً، ونقول بعد الفراغ من الغسل هاهنا: لا تمس النساء، لا تمس ذكرك.
و ـ أيضاً ـ فإن الشافعي قد قال: لو توضأ في حال ردته لم يصح (٤). فنقول كل معنى إذا قارن العبادة أبطلها فإذا طرأ عليها ينبغي أن يبطلها، دليله الحج، والصلاة، وهذا لأنه لما امتنع ابتداؤها مع الكفر
(١) ينظر: المجموع ١/ ٣١١، متن الخرقي ص ١٣. (٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (جمتعا)، والصحيح ما أثبتّه. (٣) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٤) ينظر: الحاوي الكبير ١/ ٩٨.