وإن كان على صفة فعل الآدمي؛ بدليل أن بهيمة من الحيوان لو دَهْدَهَ (١) السيل على حلقها حجراً محدداً، فأفرى (٢) أوداجها (٣)، وأراق دمها، وأزهق نفسها لم تبح، وبمثله لو ذبحها مُذكٍّ طهرت، وكذلك الحيوانات التي خلقها الله بغير دم قد فعلها على الوجه الذي يُفعل فيها بالذبح ومع ذلك لا [تباح](٤)، كذلك هاهنا.
قلنا: الذبح إنما طهر لأنه أُهل به لله تعالى، وما ذبحه الحجر لم يُهَل به لله، والإهلال معتبر، والدباغ لا يحتاج إلى إهلال، ولذلك حصل الدبغ بفعل المجوسي، والوثني، وطهر الجلد وإن لم يطهر ذبحهما، وكذلك لو أن جلداً جرى عليه السيل، وسفت الريح عليه شَثّاً، وطلعت عليه الشمس، فاندبغ طهر عندكم بفعل الله بعمل كما يعمل فعل الآدمي، فلما لم تمنع نجاسة الموت في العظم علم أنه لا يعمل بفعل الآدمي [في](٥) الميت النجس تطهيره، كما أن تطييب المذبوح بالذبح منع نجاسته.
وأما الحيوانات التي لا دم لها؛ فما لم يخلف عدم الدم فيه خبث صار كالمذكَّى وهو الجراد، فأما الحشرات؛ [فقد](٦) زال الدم عنها لكن خلفتها علة هي الخبث، واستخباث العرب بقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ (٧)، فأما العظم فلا علة تخلف الرطوبة، فوجب أن يكون مدبوغاً خلقة،
(١) دَهْدهْت الشيء من علو إلى سفل: دفعته، ودَهْدَهْتُ الحجر فَتَدَهْدَهَ: دحرجته فتدحرج. [ينظر: جمهرة اللغة ١/ ١٩٣، الصحاح ٦/ ٢٢٣١]. (٢) فرى الشيء فَرْياً وفَرّاه: شقه وأفسده، وأَفْراه: أصلحه، وأفريت الأوداج: قطعتها، وأفريت الشيء: شققته فانفرى وتفرّى، أي: انشق. [ينظر: الصحاح ٦/ ٢٤٥٤، المحكم والمحيط الأعظم ١٠/ ٣٠٥]. (٣) الودج والوداج: عرق في العنق من الرأس إلى السَّحْر، والجمع: أوداج، وقيل: الأوداج: ما أحاط بالحلْق من العروق. [ينظر: الصحاح ١/ ٣٤٧، المحكم والمحيط الأعظم ٧/ ٥٣٥]. (٤) ما بين المعكوفين في الأصل: (يباح)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٥) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٦) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٧) الأعرَاف: ١٥٧.