للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فحرُم بالموت ما كان يباح أكله بالذكاة، وما ليس له دم سائل لا يكون تحريمه بسبب الموت، بل بسبب خبثه، أو أنه غير مغذٍ، ولهذا يحرم أكل التراب والحجر ولا يموت، وإذا لم يوجب الموت التحريم لم يوجب النجاسة، فإن النجاسة غليظة الحرمة على ما تقدم، فصار كقوله: «أحلّت لنا ميتتان ودمان» (١).

ولهذا نقول فيما لا يؤكل لحمه: إذا ذبح لا يطهر وإن كان دمه قد انسفح، وإذا بطل ما ذكرتم دل على أن علة التنجيس الموت، وذلك لا يزول بالدباغ، ولا يحصل به التطهير كما لا يحصل في اللحم.

[وقولهم في اللحم] (٢): لا يتأتى دباغه. قد تقدم جوابه فبطل قولهم.

جواب آخر عن أصل الكلام وهو: أنه لو كان الدباغ مطهرا للجلد لما يحدث به من زوال الخبث، والاستحالة، وحصول التطييب، والاستعمال مع عدم الفساد لكان العظم لا ينجس بالموت، لأن غاية ما ينتهي إليه الجلد بالدبغ موجود في العظم في أصل الخلقة، وهو التماسك، وعدم الرطوبة، وطيبته مع [إمكان] (٣) الاستعمال، وعدم دخول الفساد إليه فهو مدبوغ بخلق الله له على الصفة الموجودة منه، ولم يحكم بأنه لا ينجس بالموت، فإذا لم يمنع ما فيه من هذه الصفات نجاسةَ الموت،/ فلأن لا يرفع الدباغ نجاسة حصلت واستقرت بالموت أولى.

فإن قيل: قد يحصل بفعل الآدمي من التطهير ما لا يحصل بفعل الله


(١) أخرجه ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال ٢/ ١١٠٢، ح ٣٣١٤ من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال: «أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان، فالحوت والجراد، وأما الدمان، فالكبد والطحال». وقال أحمد: حديث منكر. ورجح أبو زرعة، والدارقطني، والبيهقي وقفه. [ينظر: العلل لأحمد رواية عبد الله ٢/ ١٣٦، علل الحديث ٤/ ٤١١، علل الدارقطني ١١/ ٢٦٦، السنن الكبير ١/ ٣٨٥].
(٢) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد استظهرته من الانتصار ١/ ١٧٠.
(٣) ما بين المعكوفين في الأصل: (إدمان)، وما أثبته هو الموافق للسياق.

<<  <   >  >>