للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبق، والبراغيث في ظاهر مذهبه في جميع ذلك، ويحكم بنجاسة ما ذبح مما لا يؤكل لحمه، وإن كان دمه قد سفح وزال.

على أن هذا التعليل في الجملة باطل؛ فإن جلد الميتة نجس، ولا دم فيه، ولا رطوبة فيه إلا ما يوجد مثلها في جلد المذكى المحكوم بطهارته، والذي يوضح ذلك أن ما يذبحه المجوسي والمرتد، وما يذكَّى وتترك التسمية عليه، وما يذبح من قفاه، وما يقطع إربا ليسيل دمه وينسفح وهو نجس، وما يقتله الكلب من الصيد، أو يجرح في فخذه، أو خاصرته لا ينسفح الدم وهو طاهر، وكذلك تحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه ولم يسفح دمه، فكيف يصح هذا التعليل عند من له أدنى تحصيل.

وأما المسائل من دم السمك وغيره؛ فليست معللة بما ذكرتم، بل دم السمك مأكول، فإنه أباحه مع كونه ميتة، ولهذا لو ذُبحت السمكة وقُطِّعت خرج منها دم مسفوح، ولا يحكم بنجاسته.

وأما موت ما لا نفس له سائلة؛/ فلا يحكم بنجاسته، لا لما ذكرتم، لكن لأن الشرع قال: «إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليَمْقُله» (١) ومعلوم أنه بذلك يموت في الأشياء الحارة والباردة، فلو نجس لم يأمر به.

ولأن النجاسة سبب لتحريم الأكل المتعلق بالموت، بدليل أن لو ذكينا ما مات حل أكله، والله ـ سبحانه ـ قال: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ (٢)


(١) أخرجه النسائي في سننه، كتاب الفروع والعترة، باب الذباب يقع في الإناء ١٣/ ١٩٢، ح ٤١٨٩ قال: أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، قال: حدثني سعيد بن خالد، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله». ومَقَلَه في الماء يَمْقُله مَقْلاً: غمسه. [ينظر: الصحاح ٥/ ١٨٢٠، المحكم والمحيط الأعظم ٦/ ٤٤٢]. وأخرج البخاري في الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء ٤/ ١٣٠، ح ٣٣٢٠ من حديث أبي هريرة قال: قال النبي : «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء».
(٢) المَائدة: ٣.

<<  <   >  >>