للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهي منسوخة بحديث ابن عُكيم؛ لأنه قال فيه: «كنتُ رخّصتُ لكم» ولفظة «كنتُ» تستعمل فيما نُسخ، وهذا كقوله : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها تذكركم الآخرة»، «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا فادخروها» (١)، وإذا كانت منسوخة سقط الاحتجاج بها.

ولأن خبرنا يعضده ظاهر القرآن، وفيه احتياط، فكان مقدماً على أخباركم إن لم تكن منسوخة.

وأما ما ذكروه عن الصحابة؛ فقد روينا فيما تقدم خلاف ذلك، فحصل خلاف فيما بينهم، ولأن بلاد المجوس قد كان يدخلها أهل الكتاب، وذكاتهم مباحة، ولأنه يحمل أنهم استعملوها في اليابسات.

وأما المعنى، وقولهم: إنه جلد طاهر تنجس.

قلنا: إن أردتم أن نَجُس نجاسة عينية، لم يصح في الأصل، ولم يسلم في المذكَّى، وإن أردتم نُجِّس نجاسة مجاورة، لم يسلم في الفرع،/ ولهذا لا يجوز بيع جلد الميتة قبل دباغه، ويجوز بيع المذكَّى قبل دباغه.

ولأنا نقول: فلم يطهر مع بقاء ما كان السبب في تنجيسه، كالمذكَّى لا يطهر مع بقاء عين النجاسة عليه، فيجب أن لا يطهر هذا مع بقاء الموت.

وقولهم: إن المنجِّس هو الرطوبات، والدماء السيالة.

قلنا: هذا الكلام لا يحسن إيراده من شافعي (٢)؛ لأن عنده أن الموت هو المنجِّس لعينه، ولهذا يُسوِّي في الميتة بين تنجيس ما له دم، وما لا دم له من الذباب، والبق، وغيره، ويحكم بنجاسة دم السمك،


(١) أخرجه مسلم، كتاب الجنائز ٢/ ٦٧٢، ح ٩٧٧ من حديث بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله : «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكراً».
(٢) كلام الشافعية: أنّ جلد الميتة طاهر طرأت عليه نجاسة بالرطوبات والدماء السيّالة. [ينظر: المجموع ١/ ٢١٧، ٢١٨].

<<  <   >  >>