للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: هذا ممنوع؛ لا نسلم أن نجاسته عينية وإنما هي طارئة، ولو سلمنا فقد تكون نجاسة الشيء عينية وتطهر، ألا ترى أن البول نجاسته عينية/ وإذا وقع في ماء قدره قلتان لم ينجسه إذا لم يتغير وجاز بيعه، وكذلك الجلاّلة على أصلكم صارت بالجَّل (١) كالكلب في النجاسة، ونجاسة السحل (٢)، واللبن، والسؤر، وطهرت بالمعالجة وهو الحبس والعلف بالعلف الطاهر، والمعنى في الكلب والخنزير، أما الكلب فهو ممنوع على قول أبي حنيفة (٣)، والخنزير ممنوع على قول أبي يوسف (٤)، وكل قول لأبي يوسف فهو روايته عن أبي حنيفة ويقول: جلد الخنزير يطهر بالدباغ (٥)، وإن سلمنا فالخنزير لا جلد له فما الذي يدبغ.

جواب آخر: أن الكلب والخنزير نجسان في حال الحياة، فالدباغ يردهما إلى حالة الحياة، وفي حالة الحياة هما نجسان فلم يفد الدباغ في حقهما فائدة بخلاف الشاة؛ فإنها كانت طاهرة في حال الحياة، فردها الدباغ إلى حال الحياة.

قلنا: الدليل على أنه نجس العين؛ منع البيع، وعدم طهارته بالغسل، ولو كانت نجاسته مجاورة لصح بيعه كالثوب النجس.


(١) الجَلّ: مصدر جَلَّ يجُلُّ جلاً، إذا التقط البعر. [ينظر: تهذيب اللغة ١٠/ ٢٦١].
(٢) السحل: الثوب الأبيض. [ينظر: الصحاح ٦/ ٤، المحكم والمحيط الأعظم ١/ ٤٧٨].
(٣) يرى أبو حنيفة أن جلد الكلب يطهر بالدِّباغ، أما جلد الخنزير فلا يطهر بالدِّباغ. [ينظر: مختصر الطحاوي ص ١٧، البناية ١/ ٣٥٨].
(٤) القاضي أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري، صاحب أبي حنيفة، ولد بالكوفة سنة ١١٣ هـ، وتفقه بأبي حنيفة حتى صار المقدم في تلامذته، وكان الغالب عليه مذهب أبي حنيفة، وخالفه في مواضع كثيرة، تفقه عليه محمد بن الحسن، وهلال الرأي، وغيرهما. كان والده فقيراً فكان أبو حنيفة يتعاهده بالمئة درهم بعد المئة، يعينه على طلب العلم، وولي القضاء سنة ١٦٦ هـ، مرض مرّة فعاده أبو حنيفة، فلما خرج قال: إن يمت هذا الفتى فهو أعلم من عليها، وأومأ إلى الأرض. مات سنة ١٨٢ هـ. [ينظر: وفيات الأعيان ٦/ ٣٧٨، تاريخ الإسلام ٤/ ١٠٢١].
(٥) ينظر: بدائع الصنائع ١/ ٨٦.

<<  <   >  >>