للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: هذا القياس إنما يصح لو كان الدباغ يتصور في اللحم حتى يقاس عليه الجلد، فأما والدباغ لا يتصور في اللحم، ويتصور في الجلد، فكيف يقاس ما يتصور على ما لا يتصور.

الثاني: أنا نقول: إنه لا يفيد طهارة؛ لأنه طاهر في حال الحياة، وإنما الدباغ يعيده إلى طهارته الأوّلة.

[أما تخليل الخمر فقد تتوق] (١) / نفسه إليها فيواقعها، فلهذا منعناه، وصار هذا كما نقول في الخلوة بالأجنبية: منعناه منها خوفا أن تتوق نفسه إليها فيواقعها، ليس كذلك الجلد؛ فإن النفوس تنفر عنه، والطباع تشمئز منه، فالعلة مختلفة، ولأن الخمر هي الحجة عليكم؛ فإنها قابلة للتطهير، وتطهر بحال وهو إذا تخللت بنفسها، فقولوا هاهنا: إن الجلد يطهر بحال، ولا طريق إلى تطهيره إلا الدباغ.

قلنا: وهاهنا قد ورد الخبر فقولوا به، وما ذكروه من المعنى لو كان صحيحاً لكان ينبغي أن يقولوا: إذا وكّل وكيلاً [ذميّاً] (٢) ممن يحل له شربها، أو من لا تتوق نفسه إليها، أو يُرمى فيها من علو خَلّ، أو ملح أن تطهر بهذه الأشياء؛ دل على بطلان ما قلتم، ولأن هذا الذي قلتم يوجب أن يمنع من التخليل خاصة، لا أن تطهر، وقد ذكر.

طريقة أخرى؛ أنا نقول: دبغ بنجس فلا يحصل التطهير؛ كما لو أخذ شَثّاً (٣) وقَرَظاً (٤) نجساً ابتداء، ودبغ به فإنه لا يحصل التطهير، كذلك هاهنا،


(١) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد استظهرته ليستقيم الكلام.
(٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (ذميٌّ)، وما أثبته هو الصحيح لغة وبه يستقيم المعنى.
(٣) الشَّثُّ: شجر من نبت الجبال، طيب الريح، مر الطعم، يُدبغ به، وينبت في جبال الغَور وتِهامة. [ينظر: تهذيب اللغة ١١/ ١٨٦، الصحاح ١/ ٢٨٥].
(٤) القَرَظ: شجر يُدبغ به، وقيل: هو ورق السلم، وقيل: القَرَظ: أجود ما تدبغ به الأهب في أرض العرب، وهي تدبغ بورقه وثمره، وقيل: شجر عظام، لها سويق غلاظ أمثال شجر الجوز، وورقه أصغر من ورق التفاح، وله حب يوضع في الموازين، وهو ينبت في القيعان، واحدته: قرظة، يُقَال: أَدِيم مقروظ وقد قرظته أقْرِظه قَرْظاً. [ينظر: تهذيب اللغة ٩/ ٧٠، المحكم والمحيط الأعظم ٦/ ٣٤٤].

<<  <   >  >>