للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: أما الممانعة فباطلة؛ لأنا ندل على أن الموت هو المنجس بعينه شرعاً، وذاك أن الله ـ سبحانه ـ قال: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ (١)، والنبي قال: «فلا تنتفعوا من الميتة بجلد» (٢)، فعلّق التحريم، ومَنَع الانتفاع باسم الميتة، كما علّق الجَلْد بالزنا، والسجود بالسهو، وتعليله بغير ذلك يرفع تعليق الحكم بما علقه، وكل تعليل عاد على أصله بالإبطال لم يقبل، ولأن هذا/ الحيوان كان طاهراً ما دام حياً، [فلما] (٣) طرأ عليه الموت حكم بنجاسته، ولم يوجد معنى سوى الموت، فمن ادعى شيئاً آخر فعليه بيانُه.

وأما قولهم: إنه قد ترد علة تزيل الحكم بدليل الطلاق.

قلنا: هناك علّق الشرع التحريم على الزوج والإصابة، فقال ـ تعالى ـ: ﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ (٤)، ولم يقل الرسول: لا تنتفعوا من الميتة بجلد حتى يدبغ. ثم لو قلنا: الأمر على ما ذكرتم، إلا أنا لا نسلم أن ها هنا علة تزيل الحكم؛ فإن الدباغ ليس بعلة مزيلة، فما الدليل على أنها أزالت التنجيس.

وقولهم: اللحم لا يتأتى دباغه، غلط؛ فإن اللحم إذا مُلِّح وقُدِّد (٥) في الهواء زالت رطوباته، وذلك دباغه، فإن دباغ كل شيء بحسبه، فكان يحكم بطهارته، ولأن هذا باطل بجلد الكلب؛ فإنه يتأتى دباغه فلا يطهر، وكذلك الخنزير. وهذه الطريقة عليها الاعتماد من جانب المعنى.

طريقة أخرى: أن الدباغ معنى لا يفيد طهارة اللحم، فلا يفيد طهارة الجلد؛ دليله ذكاة المجوسي، والمرتد، وهذا لأن حكم الجلد حكم اللحم طرداً وعكساً، بدليل المذكَّى في الطهارة، والكلب والخنزير في النجاسة.


(١) المَائدة: ٣.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ما بين المعكوفين ليست في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق.
(٤) البَقَرَة: ٢٣٠.
(٥) أي: صار قَدِيداً، وهو: ما قطع من اللحم وشرر، وقيل: هو لحم يقطع طولاً وييبس ويدخر، وقيل: اللحم المملوح المجفف في الشمس. [ينظر: المحكم والمحيط العظم ٦/ ١١٢، مشارق الأنوار ٢/ ١٧٢، النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/ ٢٢].

<<  <   >  >>