للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: أما قوله: دلت على التحريم، لا على النجاسة.

قلنا: الله ـ سبحانه ـ حرّم الميتة، والتحريم لا توصف به الأعيان، وإنما الحل والحرمة تتصف بها أفعال المكلفين، فتقدير الآية: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ﴾ (١) أي: انتفاعكم بأمهاتكم، وأفعالكم فيهن، والانتفاع بالجلد بعد الدباغ فعل فيه فكان حراماً بالآية، وإنما يحرم استعماله لأجل نجاسته؛ لأن أحداً لا يقول بطهارته وتحريم الانتفاع به، دل أن نجاسته دخلت تحت الآية وإن لم يكن مصرحاً به.

أما قوله: المراد بها تحريم الأكل بدليل القرائن.

قلنا: لا فرق؛ فإن قرائن آي الميتة [ظاهرها] (٢) تحريم أكلها، وكل وجه من الانتفاع بها غير الأكل لحق الظاهر، ألا ترى أن بيعها، وهبتها، ورهنها، وكل نوع من الانتفاع محرم، فليس التحريم/ بمقصور على الأكل في شيء من هذا، وكان حق الظاهر تحريم الانتفاع بدباغ جلودها كلها في جميع الميتات.

فأما قوله: ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ (٣)؛ هذا استثناء رجع إلى ما بينه من قوله: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ (٤)، ومعناه: ما افترسه السبع إلا ما أدركتموه حيّاً فذبحتموه، فيحل أكله، وهذا الاستثناء لا يرجع إلى قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ (٥).

وأما قولهم: إنه ذكر الاضطرار وهو لا يكون إلى الجلد، فليس كذلك، إلا أن الاضطرار قد يحصل إلى الجلد كما يحصل إلى اللّحم بأن يؤكل عند الضرورة ـ أيضاً ـ، فبطل ما قالوه.

و ـ أيضاً ـ ما روى عبد الله بن عكيم (٦) أن النبي ـ صلَّى الله عليه ـ


(١) النِّساء: ٢٣.
(٢) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق.
(٣) المَائدة: ٣.
(٤) المَائدة: ٣.
(٥) المَائدة: ٣.
(٦) عبد الله بن عكيم أبو معبد، الجهني، أسلم بلا ريب في حياة النبي ، واختلف في سماعه منه، مات سنة ٨٨ هـ وقيل غير ذلك. [ينظر: الاستيعاب ٣/ ٩٤٩، أسد الغابة ٣/ ٢٣٥، سير أعلام النبلاء ٣/ ٥١٠].

<<  <   >  >>