للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومأخذ المسألة: أن نجاسة الجلد عندنا نجاسة عينية (١)، وعنده نجاسة مجاورة فتزول بالمعالجة، وهذا ينبني على أصل، وهو: أن الموت عندنا منجس لعينه وذاته، وعندهم المنجس هو الرطوبات المنبعثة، والدماء السيالة.

والثاني: أن الجلد ما انقلبت عينه بالدباغ، وعندهما أن الدباغ يقلب العين.

الأوّلة:

قوله ـ تعالى ـ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ (٢) فحرّم الله ـ تعالى ـ علينا الميتات كلها بجميع أجزائها، في جميع أحوالها، والجلد من جملتها، فلو قلنا: إنه يطهر بالدباغ؛ لأبحنا الانتفاع به بعد الدباغ، وهو جزء من الميتة، وذلك خلاف التحريم المطلق، لأن ذلك لا يوجب تحريم جميع أنواع الانتفاع بالجلد وبغيره.

فإن قيل: هذه الآية لا حجة فيها من قِبَل أنها تدل على التحريم، ونحن إنما اختلفنا في الطهارة،/ والآية لم تتعرض له، إنما دلت على الحرمة، وليس كل ما كان حراماً كان نجساً.

الثاني: أن المراد به تحريم الأكل، بدليل أنه قرنه بأشياء كان القصد بها تحريم أكلها، لا تحريم الانتفاع بها من وجوه أخر، فقال: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ (٣) فلما كان القصد بهذه الأشياء تحريم أكلها، فكذلك القصد بالميتة تحريم أكلها، ـ وأيضاً ـ فإنه لما استثنى التذكية بقوله: ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ (٤) وكان الاستثناء وقع لإباحة الأكل، لا لإباحة الدباغ إذ الذكية لا تحتاج إلى دباغ جلدها، كان المستثنى منه تحريم الأكل، لا تحريم الدباغ في جلده، ولأنه قال: ﴿إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ (٥)، والاضطرار إنما يكون إلى اللحم، وهو للأكل.


(١) ينظر: متن الخرقي ص ١٢، الإرشاد ص ٢٨.
(٢) المَائدة: ٣.
(٣) المَائدة: ٣.
(٤) المَائدة: ٣.
(٥) الأنعَام: ١١٩.

<<  <   >  >>