قلنا: قد يقال لمن كُلِّف طلب شيء وتمييزه من غيره إذا اشتبه عليه ولم يعرفه بعينه: ما وجده، ولا قدر عليه، ويخالف من نسي الماء في رحله؛ فإنه لو طلب لوجد، فإن طَلَبَ فلم يجد فقد فرّط في الطلب؛ لأن رحله تحت يده، وهو محصور معلوم لا يشق تفتيشه.
وأما القياس: فهو باطل بالإناءين إذا كان [في](١) أحدهما بول.
وأما الأصل فهو حجة عليه؛ لأنه لا يجوز التحري فيه، ولأن هناك يمكنه أن يعتق العبد في كفارته وإن لم يعرف عينه،/ وكذلك المعتدة، تقعد أيام أقرائها أو تميز، فإن عدمت هذين فكانت مبتدأة أو ناسية قعدت أقلّ الحيض، أو غالب عادات النساء في أول كلِّ شهر، وفي مسألتنا لا يمكنه التوصل إلى الطاهر؛ لأن العلامات ضعيفة، وقد (٢) يصادف النجس فتفسد طهارته، وبدنه، وثيابه، فبطل ما قالوه من هذا الوجه، والله أعلم.
فإن قيل: فأليس مسائل الاجتهاد قد تفضي إلى حق، وإلى باطل، ولم يمنع ذلك من سلوك الاجتهاد طلباً للحق، وتحرياً للصواب بطريق إما يترجح به أحد المجوّزَين ظناً، أو غلبة ظن وإن لم يبلغ رتبة اليقين، لكن كفانا أن ترجح عندنا بالدلالة أحد المجوّزَين فنظن أنا جانبنا الباطل، وجُنِّبنا الخطأ، وكفى ذلك غاية.
قلنا: الاجتهاد الذي يشيرون إليه في الأحكام ليس من باب التحري، وإنما كان ذلك لمعنى وهو أن في مسائل الاجتهاد ليس يقع بين شيئين أحدهما محرم قطعاً، وصواب قطعاً، وإنما يكون بين جهتين يترجح الظن بينهما في الجواز والمنع، أو الصحة والفساد، وهاهنا عين يقطع على تحريمها، ويقطع بأنها لا تعمل تطهيراً، ولا طهارة، بل توجب منعاً ونجاسة، وعين تعمل ذلك، والتحري غير موثوق به في أن يهجم بنا
(١) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٢) في هذا المكان بالأصل (ربما)، وقد حذفتها مراعاة للسياق.