لأن الحجر في النكاح يحرج به (١)، ونقله إلى بلد آخر أشد في ذلك الحرج، فأما لو اختلطت أخته بعشرة من الأجانب لم يجز له التحري، بخلاف الأواني فإنه لو اختلط تسعة أوانٍ نجسة بعشرة طاهرة جاز عندكم التحري، وأيّ وقْع لزيادة هذا الإناء في جواز التحري.
فإن قيل: لأن الحكم في الشرع للأكثر، ولهذا لو غلب صدق الشاهد على أقواله سمعت شهادته (٢)، ولو غلب كذبه لم تجز، وكذلك إذا غلب المباح في مال الرجل حلت معاملته، ولو غلب الحرام لم تحل، وكذلك إذا غلب قتلى المسلمين على قتلى المشركين جازت الصلاة عليهم، ولو غلب المشركون لم تجز الصلاة عليهم، وكذلك يجوز له الرمي إلى دار الحرب؛ لأن الغالب فيها الكفار، ولا يجوز الرمي إلى دار الإسلام؛ لأن الغالب فيها أهل الإسلام، وهذا لأن [الأصل](٣) في المياه الطهارة، فإذا طرأت نجاسة، وشك في مكانها احتاج إلى الاجتهاد بالعلامات على إخراج الطاهر من النجس، ثم رأينا العلامة ربما دخلها شك فقويناها بمزيد تأكيد وهو اعتبار الكثرة ليقوى الظن، وتقرب الإصابة.
قلنا: دعواكم أن الحكم للأكثر في الشرع ممنوع، ولهذا سوّت الأصول بين القليل والكثير في باب التحري في القبلة والثياب عندكم، وكذلك إذا اشتبهت أخته بعشرة أجنبيات، والصلوات في باب منع التحري.
فأما ما ذكروه من الشاهد والمال؛ فلا نسلمه، ونقول: إذا تكرر منه الكذب لم تقبل شهادته وإن كان صدقه أغلب، وقد روي عن أحمد ﵁/ أنه قال: من كذب في حديث واحد لم أقبل روايته (٤)، وكذلك من خالط ماله الحرام لا تجوز معاملته وإن كان الحلال أكثر.
(١) يعني: يضيق به. [ينظر: المحكم والمحيط الأعظم ١/ ٤٣٥، الصحاح ٢/ ٣٢٨]. (٢) بعده في الأصل: (ولو غلب صدق الشاهد على أقواله سمعت شهادته)، وقد حذفته؛ لأنه مكرر. (٣) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته لتستقيم العبارة. (٤) نسب القول له ابن الصلاح في علوم الحديث ص ١٦، وابن الملقن في التوضيح ٣/ ٥٤٧.