وأما قياسهم وقولهم:/ مسح في طهارة لا على وجه الضرورة، فهي لفظ يعطي ضد مقتضى الأصول؛ لأن الضرورات تفيد في الأصول ما لا تفيد المشاق، من ذلك أكل الميتات، وتجرع الخمر، وترك الوضوء، وترك القيام في الصلاة، والرخص لا تؤثر في ذلك، وأما المسح على الخفين فذلك إيراد أصل على بدل على وجه الرخصة، وهاهنا إيراد أصل على أصل فهو كالغسل.
وأما ما ذكروه من قصد التخفيف؛ فالتعبد في ذلك بعيد عن التعليل، فإن غسل الأعضاء الأربعة دون بقية البدن لا يظهر له تعليل يرضي أهل التحصيل، فكيف بإدخال مسح بين غسلين، ومخالفة ما بين الأعضاء، فإن صح ما ذكرتم فقد كفى تخفيف فرضه بالمسح عن تخفيف في المقدار، وليس من حيث دخل التخفيف في الشيء من وجه مما يدل على أنه يجب التخفيف فيه من كل وجه، ولهذا نظائر يكثر ذكرها.
على أن التخفيف بالمسح في أثر الاستنجاء، ووجه المتيمم ويديه لم يدل على [تخفيفه](١) بالمقدار بل وجب بالمسح استيعاب المحل الذي يستوعب بالغسل.
وأما كلامهم الآخر، وفرقهم بين التروك والأفعال، قلنا: إن التروك ـ أيضاً ـ قد لا تعمّ، والدلالة عليه أن أثر الاستنجاء لا يجب إزالته وهو من باب التروك، وبعض اللمعة من الحدث لا يعفى عنها وهي من باب الأفعال، [فأما](٢) النجاسة فإنما وجب تركها عن جميع الترك؛ لأنه لا مشقة في تركها؛ فإنها عين تَنْدُر ملاقاتها، والحدث لا ينفك الجسد عنه بخروج الخارج والنوم وغير ذلك، ويكثر حصوله على البدن، ألا ترى أن النجاسة التي كثرت ملاقاتها سقط إزالتها وهي محل الاستنجاء للعلة، [وألا ترى أن ترك الحجر على الوليّ في النكاح](٣) / دفعاً للحرج،
(١) ما بين المعكوفين في الأصل: (تحقيقه)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (فإنما)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٣) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد استظهرته ليستقيم الكلام.