ثالثاً: الحكم علي إسناد الحديث:
الحديث بإسناد الطبراني "إسناده ضعيف" فيه: عَمْرُو بْن هَاشِم أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِي: لين الحديث.
قلت: وللحديث شواهد في الصحيحين من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الساعدي قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- إِلَيْهِ لَأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلَّا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ فَخَرَجَ، فَاضْطَجَعَ إِلَى الجِدَارِ إِلَى المَسْجِدِ، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَتْبَعُهُ، فَقَالَ: هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ فِي الجِدَارِ، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَامْتَلَأَ ظَهْرُهُ تُرَابًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ. (١)
وعلي هذا فيرتقي الحديث بشواهده من الضعيف إلي الحسن لغيره، والله أعلم.
رابعاً: النظر في كلام المُصَنِف:
قال الطبراني رحمه الله: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. تَفَرَّدَ بِهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ.
قلت: والأمر كما قال عليه من الله الرحمة والرضوان.
خامساً: التعليق علي الحديث:
قال ابن حجر رحمه الله معلقاً علي حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الساعدي الذي في الصحيحين:
يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ: جَوَازُ تَكْنِيَةِ الشَّخْصِ بِأَكْثَرَ مِنْ كُنْيَةٍ وَالتَّلْقِيبُ بِلَفْظِ الْكُنْيَةِ وَبِمَا يُشْتَقُّ مِنْ حَالِ الشَّخْصِ وَأَنَّ اللَّقَبَ إِذَا صَدَرَ مِنَ الْكَبِيرِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُهُ لَفْظَ مَدْحٍ وَأَنَّ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى التَّنْقِيصِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَهُوَ كَمَا كَانَ أهل الشَّام ينتقصون ابن الزبير بزعمهم حَيْثُ يَقُولُونَ لَهُ ابن ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ فَيَقُولُ تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عارها. قَالَ ابن بَطَّالٍ وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ قَدْ يَقَعُ بَيْنَ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ الْغَضَبِ وَقَدْ يَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ وَلَا يُعَابُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ خُرُوجِ عَلِيٍّ خَشْيَةَ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَنَابِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَحَسَمَ مَادَّةَ الْكَلَامِ بِذَلِكَ إِلَى أَنْ تَسْكُنَ فَوْرَةُ الْغَضَبِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَفِيهِ: كَرَمُ خُلُقِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ عَلِيٍّ لِيَتَرَضَّاهُ وَمَسَحَ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ لِيُبْسِطَهُ وَدَاعَبَهُ بِالْكُنْيَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ حَالَتِهِ وَلَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَى مُغَاضَبَتِهِ لِابْنَتِهِ مَعَ رَفِيعِ مَنْزِلَتِهَا عِنْدَهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ الرِّفْقِ بِالْأَصْهَارِ وَتَرْكُ مُعَاتَبَتِهِمْ إِبْقَاءً لِمَوَدَّتِهِمْ لِأَنَّ الْعِتَابَ إِنَّمَا يُخْشَى مِمَّنْ يُخْشَى مِنْهُ الْحِقْدُ لَا مِمَّنْ هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَالله أعلم. (٢)
(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ فضائل الصحابة ب/ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب -رضي الله عنه- (٣٧٠٣)، وفي ك/ الأدب ب/ التَّكَنِّي بِأَبِي تُرَابٍ (٦٢٠٤)، ومسلم في "صحيحه" ك/ فضائل الصحابة ب/ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- (٢٤٠٩).(٢) يُنظر "فتح الباري" لابن حجر ١٠/ ٥٨٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute